TOP

جريدة المدى > ملحق اوراق > آفاق: اسم المؤلف

آفاق: اسم المؤلف

نشر في: 12 يونيو, 2010: 04:30 م

سعد محمد رحيمأستعيد تلك الرعشة الروحية التي تولّتني وأنا أتناول للمرة الأولى كتابين لنجيب محفوظ.. كان ذلك في صيف عام 1973. وكنت قرأت، قبل ذلك، أكثر من عشرين كتاباً لتوفيق الحكيم، وأقل من ذلك  لطه حسين، وأكثر من ذلك بكثير روايات بوليسية.. كان إعجاب أحد أصدقاء مراهقتي بنجيب محفوظ هائلاً، ولم يكن قرأ له سوى رواية ( زقاق المدق ).
 وظل يردد على مسامعي؛ اقرأ نجيب محفوظ، اقرأ نجيب محفوظ. وفي يوم، وهو مقدم على سفرة مع عائلته إلى بغداد أعطيته نصف دينار، هو مجموع مدخراتي، وقلت له؛ اجلب لي كتباً لنجيب محفوظ. وبعد أيام ناولني كتابين اشتراهما من بائع كتب مستعملة في الباب الشرقي.. فجأة سرى فيّ تيار من الغبطة وأنا أمسك بـ ( ميرامار، والسمان والخريف ). قرأت السمان والخريف مرة واحدة، وقرأت ميرامار ثلاث مرات. ومنذئذ بقي اسم نجيب محفوظ يمارس سحراً طاغياً عليّ.  وكنت جندياً في جبهة شرق البصرة صيف عام 1982 أقدّم نفسي لزملائي، على استحياء، مشروع قاص وروائي، حين سألني أحد أولئك؛ هل قرأت لمحمد خضير؟. قلت؛ لا.. قال؛ كيف تريد أن تصبح قاصاً وأنت لم تقرأ لمحمد خضير؟. وجاءني بعد رجوعه من إجازته التالية بكتاب ( المملكة السوداء ) التهمته في يوم واحد، وأعدت قراءته بعد أسبوع بتأنٍ وروية. وأيضاً، منذ ذلك الوقت، لم أتخلص من الجاذبية التي يمارسها اسم محمد خضير على غلاف أي كتاب.. إغراءات الكتاب، أي كتاب، لاسيما الذي يتضمن نصاً سردياً، لا تحصى. أحدها اسم المؤلف الذي يشكّل سلطة، عند القارئ، تطغي، أحياناً، على سلطة نصه السردي. هنا يغدو اسم المؤلف جزءاً من كينونة السرد ومرجعيته.. الاسم الذي يكون خلاصة خبرة سابقة لي، أنا القارئ، معه؛ ( أن أكون قرأت له، أو قرأت عنه، أو حدثني أحد ما عن منجزه الإبداعي ). إن وقوع النظر على غلاف كتاب سردي يحمل اسماً معروفاً لي يثير لديّ، حالاً، سلسلة من الانطباعات السريعة التي هي نتاج تلك الخبرة. يحفزني الاسم ويغويني إذا  سبق وأن قرأت له عملاً مميزاً. أما العودة لقراءة مؤلف ثانية، بعد تجربة قراءة محبطة أولى، فلا شك، أمر عسير. لكن نصاً سيئاً لكاتب جيد يجعلني، أنا القارئ، في حيرة من أمري، وأمام تساؤلات من قبيل؛ أتراني لم أفهم ما كتب؟ هل يجب أن أعيد القراءة لاكتشف ما فاتني في المرة الأولى؟!. لمّا أكون قرأت لخوزيه ساراماغو، مثالاً، روايات ( الإنجيل يكتبه المسيح، كل الأسماء، العمى ) فإن رواية جديدة موقّعة باسمه لابد أن تفرض عليّ انعكاسات وتأثيرات وانطباعات قراءتي لتلكم الروايات.. إن الاسم، في هذه الحالة، يرسم لي أفق توقع محدد، يختلف عن أفق توقعي فيما إذا كان اسم المؤلف مجهولاً لديّ. أو لم يسبق لي قراءة أي عمل من أعماله.   تكون السلطة المرجعية لاسم المؤلف في النص السياسي أقوى، لأنني حينئذ سأستدعي حزمة من المعطيات التي تخص المؤلف، إلى جانب ما ذكرنا؛ ( تحيّزاته، منهجه في البحث، مصادر معلوماته، مدى صلته بمراكز القرار، المؤسسات التي تتبناه، الخ ). بالمقابل يهدّم استحضار اسم المؤلف في أثناء القراءة شيئاً من جرف الموضوعية في الحكم النقدي، مهما حاولنا تحاشي ذلك. يقيّدنا اسم المؤلف المعروف لنا جيداً بدلاً من أن يحررنا. فذاك الاسم يبث إشعاعاته في أثناء القراءة. ونحن مهما حاولنا الالتزام بمقتضيات تفكيك النص من داخله والخضوع لسلطة النص وحدها فإن اسم المؤلف، ومعرفتنا عنها، يباغتنا من زوايا غير متوقعة، ويضفي ظلاله على ما نقرأ. فإن نفكر أن كاتب النص القصصي، في سبيل المثال، هو تشيخوف غير أن نفكر أن كاتب النص هو يوسف إدريس. إن تاريخاً بكامله يندفع في موجات محرِّكة لطبيعة تلقينا، شئنا أو أبينا. فبعد أن نكون عارفين لاسم المؤلف، لاسيما إذا كنا قراءً اعتياديين، لا نقاداً نتبنى المنهج البنيوي، يغدو اصطلاح ( موت المؤلف ) أو ( مجهولية المؤلف ) بلا معنى، أو يكاد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

لكن الفكرة المركزية التي سيطرت على دستويفسكي كانت الله والذي تبحث عنه شخصياته دائما من خلال الأخطاء المؤلمة والإذلال.يقول دستويفسكي على لسان الأمير فالكوفسكي في رواية مذلون مهانون (.... لكنك شاعر ,وأنا إنسان فان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram