علي حسين
عندما أيقنت رئيسة تيريزا ماي أن مصالح بلادها تقتضي وجود رئيس جديد لحزب المحافظين ، سارعت إلى تقديم استقالتها، لم تحذرمن حرب أهلية، ولم تشتم الذين خذلوها في معركة المصالح ، ولم تصر على أنها "لصقة" جونسون وتتمسك بالمنصب رافعة شعار من الكرسي إلى القبر.. فقط اكتفت بأن قالت إنها سعيدة لأنها قدمت خدمة لبلدها، وإنها فخورة بالديمقراطية البريطانية.
في مرّات كثيرة تبدو لي الكتابة عن تجارب الشعوب، أهم وأنفع للقارئ من أخبار معركة صناديق الانتخابات ، ولافتات العشائر التي لا تريد أن تغادر عصر الزعماء، ولهذا وجدت أن احاديث مثيرة عن شعوب حية، أحرى بالكتابة من بؤس الخطاب السياسي العراقي.
قبل خمس سنوات من هذا التاريخ قال بوريس جونسون، الذي أصبح فيما بعد رئيساً للوزراء، إن احتمال جلوسه على كرسي رئيس الوزراء يشبه تخيل المطرب الراحل ألفيس بريسلي يمشي حياً على سطح المريخ.. وكان جونسون يطمح إلى أن يكمل كتابه الجديد "لغز عبقرية شكسبير"، إلا أن لغز معركة الاتحاد الأوروبي سيجعله يؤجل إصداره حتى العام المقبل، برغم أن دار النشر كانت ستدفع له مبلغ نصف مليون جنيه إسترليني عداً ونقداً، ويبدو أن مثل دور النشر هذه تعاني من قصور في البصر والبصيرة، وإلا كيف تسنى لها أن تهمل مؤلفات مواطن بريطاني يعيش في لندن اسمه إبراهيم الجعفري، يمكن أن تدر عليها ملايين الجنيهات.
نصحني بعض الزملاء أن لا أستعجل في الكتابة عن معركة الكراسي والكتلة الأكبر والعد اليدوي والالكتروني الذي لا يريد له ان ينتهي ، وأن أتمهل قليلاً لربما تحصل مفاجأة عابرة للإصلاح، فنجد أنّ أحزابنا في البرلمان لم تصوت على تعديل قانون الانتخابات، وأن ما حدث مجرد صورة "فوتوشوب" .
للأسف تحولت الانتخابات في العراق من منافسة على خدمة الناس ورعاية مصالحهم إلى صراع على البقاء. وبدل أن تقرر هذه الانتخابات اختيار النائب الأصلح أو المسؤول الأكثر كفاءة، أراد لها البعض أن تكون معركة منافع ، لا علاقة لها بمصلحة الوطن .
رئيسة وزراء بريطانيا، السابقة، لم تنتظر شماتة الخصوم بها، فقررت أن تقدّم استقالتها وتعتزل السياسة، فهي تنتمي إلى مؤسسات ديمقراطية، وليست إقطاعيات يفصلها رؤساء الأحزاب على مقاساتهم، وأنها حالها حال ملايين الذين يحالون على التقاعد، بينما ساستنا "الأفاضل" مكلّفون شرعياً بالحكم مثلما أخبرنا ذات يوم خضير الخزاعي. الشعب البريطاني الذي جعل تيريزا ماي تذرف دموعها أمام الفضائيات، سبق أن أسقط بالقاضية مارغريت ثاتشر أقوى رئيسة وزراء في تاريخ بريطانيا، برغم انتصارها المدوّي في مجال الاقتصاد والازدهار .