اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ملحق اوراق > ملحمة جلجامش والتوراة: تشابه يصل إلى حد التطابق بين النصين

ملحمة جلجامش والتوراة: تشابه يصل إلى حد التطابق بين النصين

نشر في: 12 يونيو, 2010: 04:32 م

لايضيف كتاب الباحث ناجح المعموري "ملحمة جلجامش والتوراة" جديداً في موضوعه، فزاوية النظر إلى التشابه الكبير والحرفي بين بعض قصص التوراة وأحداث ملحمة جلجامش، تتكئ في الكثير من الاستنتاجات التي توصل إليها المعموري على من سبقه من الباحثين وخاصة الباحث السوري فراس السواح في كتابه "مغامرة العقل الأولى" الصادر أوائل ثمانينيات القرن الماضي، برؤية أكثر شمولاً مما جاء في كتاب المعموري "ملحمة جلجامش والتوراة".
يبدأ المعموري كتابه بمقدمة نظرية يشرح فيها مصطلح التناص، الحديث نسبياً بالنسبة للنقد العربي، رغم أنه ليس غريباً عنه، فالكثير من النقاد العرب القدامى أمثال ابن قدامه وابن قتيبة والآمدي أشاروا إليه باسم التلاص، وتوسع العرب فيه وبمصطلحاته فألحقوا به كل من التأثر والاستيحاء والاستحضار والتوارد، وكل ما يربط فكرة ما أو صورة ما بنص آخر، لكن الشكلانيين الروس استخدموه في ثلاثينيات القرن الماضي، ليعرف فيما بعد في أوروبا في ستينيات القرن الماضي بعد تبنيه من قبل الناقدة الرومانية الأصل الفرنسية الثقافة جوليا كريستيفا، ومن ثم الألسنين والسيميائيين أمثال تودوروف وياكبسون وغولدمان وبارت، حتى هيمن على الدراسات النقدية الأدبية في الربع الأخير من القرن العشرين، ومصطلح التناص يعني أن النص الأدبي عموماً هو نص مكون من نصوص أخرى بقصد أو بغير قصد، وهو إما أن يكون كلياً من خلال استخدام حكاية بتفاصيلها وشخصياتها كما المسرحيات اليونانية باستفادتها من الملاحم، أو جزئياً من خلال استخدام فكرة أو صورة أو صفة ما، فالنص في النهاية نص مفتوح على خيارات لا نهائية من الرموز والتأويلات والمستويات، وبدورها تفتح هذه الخيارات علاقات جديدة لبناء شبكة تفاسير متعددة تتيحها البنية الجديدة للنص.بعد المقدمة النظرية يستعرض الكاتب المعموري مقاطع من الأسطورة السومرية التي تكونت مابين 2500-3000 قبل الميلاد، لدى شعوب مابين الرافدين القديمة، وتروي قصة جلجامش ملك مدينة أوروك الظالم المستبد المكون من ثلثين بشريين وثلث من الآلهة، والذي شكاه شعبه للآلهة بسبب ظلمه، فخلقت الآلهة منافس له هو أنكيدو، مما فجّر صراعاً عنيفاً بينهما انتهى إلى صداقة حميمة، وانطلق الاثنان في مغامرات أزعجت الآلهة، فحكمت بالموت على المخلوق المنافس أنكيدو، وبعد أن رأى جلجامش موت صديقه، بدأ يبحث عن سر الحياة والموت إلى أن وجد شجرة الخلود، وبعد حصوله على النبات يعود به إلى أوروك، لكن وخلال استراحة له تسرق أفعى النبات وتأكله، الأمر الذي يحزن جلجامش ويجعله يقرر القيام بأعمال خالدة لصالح المدينة ليصنع خلوده بأعماله، ثم يقارن المؤلف المعموري مقاطع من الملحمة بمثيلاتها من أسفار التوراة ليثبت عملية التناص، أو التشابه الذي يصل حد التطابق ما بين النص الملحمي والتوراتي. يفرد المؤلف في كتابه فصلاً لتأكيد تاريخية التأثير وزمن حدوثه، جازماً بأن الصياغة النهائية للتوراة حدثت نتيجة السبي البابلي الثاني في القرن السادس قبل الميلاد، عندما غزا نبوخذ نصر فلسطين وساق اليهود كأسرى حرب إلى بابل، حيث كان بين الأسرى نبيان من أنبياء بني إسرائيل هما حزقيال وعزرا، وتم بإشرافهما على الكهنة اليهود كتابة أسفار التوراة، ويعتمد المعموري في وصوله إلى هذا الرأي القاطع على استشهادات لعدد من الباحثين العرب في الفكر الأسطوري والديني أمثال فراس سواح وأحمد سوسة ونصر حامد أبو زيد وأحمد ديب شعبو، الذين يؤكدون جمعيها استفادة التوراة من الحالة الثقافية والعقائدية السائدة في بلاد الرافدين.وهذا التشابه الذي يرصده المعموري ابتداءً من قصة خلق آدم وحواء، ومن ثم الأفعى والمعرفة، وربطهما بقصة خلق أنكيدو، والبغي أو الكاهنة التي أعطت المعرفة لأنكيدو، ليكتشف حالته الوحشية وعريه، وكيف أعطته نصف ثوبها ليستر هذا العري، ثم يأتي إلى التناص الأهم وهو قصة الطوفان التوراتي، ومقابله الطوفان السومري والأكدي، ومن خلال نصوص متطابقة من كلا الملحمتين، يصل في النهاية إلى أن من أخرج التوراة بهذا الشكل لم يكن دوره أكثر من محرر أدبي لنصوص متفرقة أعاد صياغتها مع تغيير الأسماء والأمكنة، وأبقى على الأحداث لكنها أصبحت تخص شعبا آخر، وانتقلت من الدنيوي الأسطوري إلى العقائدي الديني، والموضوع يتكرر في قصة الخلق والتكوين والعماء الأولي، وقصة يوسف وغيرها من أحداث التوراة.ويلحظ المعموري التشابه بين الملحمة والتوراة في موضوع المنظومة الرمزية للعدد سبعة ودورها في الفكر الرافدي عموماً، فلا تكاد تخلو أسطورة من الأساطير البابلية من العدد سبعة، كقصة خلق أنكيدو في سبعة أيام، والأنواع السبعة من الحيوانات التي تبكي أنكيدو، وأقداح الشراب سبعة، واتصال أنكيدو بالبغي لسبعة أيام، وطوابق السفينة البابلية السبعة، وأيام انهمار المطر سبعة، وتناص كل هذه الأفكار مع التوراة وإن كان يختلفان في عدد أيام الأمطار فقط إذ بقيت لأربعين ليلة في الطوفان التوراتي، ويرجع المعموي هذه المنظومة الرمزية إلى الجانب العقائدي والشعبي للفكر الرافدي التي ربما كان وراء أسباب قدسيتها للعدد سبعة اكتشاف البابليين لكواكب المجموعة الشمسية السبعة، وربطهم لكل يوم من أيام الأسبوع بأحد الكواكب، أو من أسطورة الخلق السومرية، والتي تقول أن الآلهة خلقوا سبعة ذكور، وسبعة إناث لتكون بداية للإنسان. كما يشير المعموري إلى الأحلام في منظومة الفكر الأس

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

لكن الفكرة المركزية التي سيطرت على دستويفسكي كانت الله والذي تبحث عنه شخصياته دائما من خلال الأخطاء المؤلمة والإذلال.يقول دستويفسكي على لسان الأمير فالكوفسكي في رواية مذلون مهانون (.... لكنك شاعر ,وأنا إنسان فان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram