علي عبدالسادةتسنح لنا فرصة ذهبية في الدخول الى عوالم سرية في حياة إيزابيل الليندي. ففي مذكراتها تجيد صناعة امرين؛ ربما يكون الاول هو ان العمل المعنون "حصيلة الايام" لا يبدو كثيرا انه ينتمي الى أدب السير والمذكرات؛ وكأن الليندي تقترف فيه رواية عن لحظة تاريخية بكل تفاصيلها، تستند، أساسا، الى مقطع تاريخي للعائلة. وهي نفسها، في النهاية، جزء منها.
 كباعث للثيمة الاساسية للحكاية. الليندي تناولت مذكراتها كحكاية مكتملة تمتلك جميع عناصر الاثارة والتشويق. اما الامر الثاني فيبدو لنا واضحا حين تتسرب من تلك الـ"الحصيلة" مواقف ومشاهدات الليندي عن أثرها الادبي، تنطلق بعفوية سلسة، دون تكلف، في التحدث عن كائناتها السردية. حصيلة أيام إيزابيل .. هو ما قدمته لأبنائها والعالم لتحل به الكثير من التساؤلات حول حياتها وماكتبت،  وهو شهادة حياة امرأة وقفت أمام قسوة القدر بشجاعة، هنا في هذه الحصيلة تبوح الروائية البارعة حد الالم .. حد التعري والتطهر. لقد "تعرت" ودائرة الحياة الاقرب اليها – العائلة – امام القارئ، وكان ذلك امرا شاقا بالنسبة لها.ذكاء إيزابيلبدت كذلك حين تحسم امام القارئ الذي يعرفها عبر اعمالها المذهلة وحسب، وكان من المتوقع ان تكون مذكراتها تنحصر، على تلك الاعمال فقط، بيد انها تقدم مبررا ذكيا لغزارة حصيلة ايامها بعديد المشاهدات والمحطات.. الليندي تستهل هذا التبرير، ان صح القول، بتأكيدها حضور "الدراما" في عموم حياتها وان لديها فائضا من "السيرك" للكتابة عنه.كما انها تمهد تلك الايام المشغولة بهموم الادب، كما كنا نتوقع، عبر لقطات فيها الكثير من الوجدان:يروقني اعتكاف  الشتاء الاضطراري... انني اعيش وسط هضاب مذهبة في الصيف  وذات لون زمردي في الشتاء.وبينما يظن القارئ ان الليندي تتلذذ في اصطياد لحظاتها "الجميلة" تبدأ، رويدا رويدا، في تأثيث فضاءات الكتابة:"يحتاج كل واحد منها الى الاحساس بالاخر في هذا الحيز غير الملموس الذي هو لنا وحدنا. فجر بارد، قهوة مع خبز محمص، وقت الكتابة، كلبة تحرك ذيلها ... لا يمكن للحياة ان تكون أفضل من ذلك".وتختم هذه "الحيلة" التبريرية لكتابة المذكرات بدعوة الناشرة كارمن بالثيس لكتابتها:-اكتبي مذكراتك يا أيزابيل.-لقد كتبتها، ألا تتذكرين؟-تلك كانت منذ ثلاث عشرة سنة.-أسرتي لا تحب نفسها معروضة امام الملأ.-لا تهتمي بشيء. أرسلي لي رسالة من مئتين او ثلاثمئة صفحة وانا سأتولى ما سوى ذلك, واذا كان لابد من الاختيار بين كتابة قصة او اغضاب الاقارب فاي كاتب محترف سيختار الخيار الاول.-أأنت متأكدة؟-متأكدة تماما.rnلمسات على "باولا"كانت الصدمة الأعظم في حياة أيندي حتى الآن وفاة ابنتها باولا في 1993 عن عمر عشرين عاماً بعد دخولها في غيبوبة بسبب مضاعفات مرض البورفيريا، تقول أيندي: "أخذوا ابنتي شابة حية بحالة جيدة، وأعادوها جثة هامدة..".كانت تأثيرات وفاة باولا على أمها شديدة، لكن أيندي كانت طوال حياتها امرأة قوية، فحولت ألمها إلى كتاب جميل استعادت فيه طفولتها وذكرياتها، اسمته باولا على اسم ابنتها، وخصصت ريعه لدعم مراكز علاج السرطان.في هذه الحصيلة تمر ايزابيل على باولا وكتابها عنها، كانت تضع اللمسات الاخيرة على كتابها "باولا"..  وقد تطلبت الصفحات الاخيرة الكثيرة من الجهد، فالكتاب ينتهي بموت الام. مثل هذا الحديث يعرفه المشتغلون في فن الرواية، يعرفون جيدا كيف هو مخاض الخلق والحياة في عوالم الاخرين وذواتهم، ان تصل للنهاية المرسومة بالموت عليك الاستعداد جيدا، انها استنفار للمفردات وتحضير متقن للبراعة الاسلوبية. الليندي أدخلتنا في هذه "المعمعة": لا يمكن ان تكون نهاية اخرى، بيد انني لم اتذكر تلك الليلة الطويلة  جيدا، اذ كان يلفها الضباب كنت اعتقد ان غرفتكِ – وكانت تقصد الام – امتلأت بالناس.وعند الانتهاء  من الكتاب ادركت ايزابيل انها قطعت طريقا من العذاب ووصلت ا خيرا نقية عارية. حين تدون هذه العبارة تتماهى، بشكل رائع مع حالة الكتابة الحقيقية، ذلك الفعل اللذيذ في التطهر الانساني. وتعبر عن ذلك حين تقول ان تشوش سنوات العذاب انقشع من امام ناظريها.rnايزابيل ترسل كتابها الى ابطال القصةربما لان كتاب باولا، وهو عمل روائي بطلته ابنة ايزابيل، فان عددا من الشخصيات التي تلعب دورا في الاحداث حقيقون موجودون في الواقع، لذلك فان ايزابيل ترسل اليهم الكتاب قبل نشره. بدا لها انه من الواجب منحهم فرصة مراجعة ما كتب عنهم – ترى من يروقه ذلك او بالاحرى قلائل هم الادباء الذين يفعلون ذلك – وكما تقول ايزابيل لم يكونوا كثيرين غير ان ردة فعل امها كانت بالطريقة الاتية:"يمكن ان يتهموك بالاستعراضية  او باستخدام هذه المأساة لكسب المال، فانت تعرفين سوء ظنون الناس".rnالدين والارهابالى حد ما تعترف ايزابيل بانها لا تقتل وقتها في فك رموز السياسة في العالم، تتحدث عن جيسون، احد افراد الاسرة، وتقول انها مولع بمطالعة الصحف وكان او من سمعته يتحدث عن ما يربط ا