في احد الملاجئ عام‏1937‏ كان يقف عبد الحليم الطفل الصغير يرتدي بنطلونا قصيرا كاكيا يتفحص الأطفال من حوله‏.‏ كان حليم يمسك بعسلية خطفها منه طفل اخر جرى وراءه حليم حتى احتمى الطفل بضابط على المعاش. عينته إدارة الملجأ للاشراف على الاطفال وملاحظتهم وكان هذا الرجل غريب الاطوار ويعامل الاطفال على انهم نجس وكان دائما يقول ان الضرب في اولاد الحرام له ثواب عند الله‏.‏
هذه كانت مقتطفات من مذكرات العندليب الاسمر يحكي تفاصيل ان دلت على شيء فإنما تدل على مدى تاثير هذه المرحلة في حياته فحياة الملجأ ظلت تطارد عبد الحليم حتى في ايام الشهرة واثرت في فلسفته عن المال‏.‏ولد في‏21‏ يونيو‏1929‏ في قرية الحلوات في مصر‏.‏ توفيت والدته بعد ولادته في نفس اليوم نشأ يتيما من يوم ولادته‏.‏ وقبل ان يتم عامه الاول توفي والده ليعيش بعدها في ميتم ثم في بيت خاله الحاج متولي عماشة كان يلعب مع اولاد عمه في ترعة القرية ومنها انتقل اليه مرض البلهارسيا الذي دمر حياته‏,‏ ولقد قال مرة انا ابن القدر‏,‏ وقدري اسود بحاجة لمصدر وهو الابن الرابع واكبر اخوته هو اسماعيل شبانة الذي كان مطربا ومدرسا للموسيقي في وزارة التربية‏,‏ التحق بعدما نضج قليلا في كتاب الشيخ أحمد‏,‏ ومنذ دخول العندليب الاسمر للمدرسة تجلى حبه العظيم للموسيقى حتى اصبح رئيسا لفرقة الاناشيد في مدرسته‏.‏ ومن حينها وهو يحاول الدخول لمجال الغناء لشدة ولعه به‏.‏يسرد حليم في مذكراته ايام الملجأ من طعام وشراب ونوم ودراسة يقول عبد الحليم في مذكراته: لا احد يستطيع ان يميز لون او شكل او طعم أكل الملجأ يكفي ان اقول ان الارز كان لونه بنيا او اسود كان له زميل في الملجأ يعمل في محل يمتلكه الضابط المتقاعد المشرف على الملجأ وحدثت بينه وبين حليم مشاجرة استجمع حليم قواه الهزيلة وضربه وهنا استنجد الولد بالضابط الذي صفع حليم على وجهه ووقع على رجله اليسرى واصيب بها وظل يمشي بعيدا عن الاثنين وهو ناظر الى الارض فلمحت عيناه ريال فضة ملقى على الارض فرح به ونسي ألم رجله واهانة الضابط له وكان هذا اكبر مبلغ قابله عبد الحليم في طفولته‏.‏حاول حليم اعطاء الريال الفضة الى اخته ولكنها رفضت‏*‏ ويضيف الغريب اني كثيرا ما كنت اجد في الطريق ما بين مدرسة الملجأ وبيت خالي نقودا على الارض بلا صاحب كنت اشترى بها حلوى واعطي زملائي اليتامى منها هكذا يروي عبد الحليم واصفا رعاية السماء له فقد كان يجلس في بيت خاله مع اخته علية وكان اخوه اسماعيل موظفا في معامل وزارة الصحة وكان يهوى الغناء ويأتي اسماعيل في اول كل شهر ويعطي علية مصروفها ومصروف عبد الحليم‏..‏‏*‏ كان حليم يغني في حفلات الملجأ ولكنه كان يكرهها لان الحاضرين كانوا يختارون بعض الموجودين في الملجأ مما لا أهل لهم للعمل كخدم وهذا هو سر معاملة عبد الحليم الطيبة مع الخدم عنده فيما بعد‏...‏‏,‏ كان حليم يكره دخول دورة المياه لانه كان يلاحظ نزول بعض قطرات الدماء نتيجة اصابته بالبلهارسيا بعد ان يقضي حاجته وهذا معناه انه سيخبر اخته التي بدورها ستخبر أخاها اسماعيل الذي سيصحبه الى المعمل الطبي ويوخز بالإبر التي يكره مفعولها من قيء وألم‏..‏‏*‏ كما كان حليم شديد الحساسية في التعامل مع الآخرين حتى مع نفسه فكان يرى ان دور خاله هو كونه خاله فقط فكان يرفض دائما ما يقدمه له خاله من مال وكان يعتذر له في كل مرة يعطيه نقودا كان يرى ان خاله مسؤول عنه ولكنه ليس اباه ولا امه كان حليم يكره كلمة شبعان ولا عايز تاكل وكلمة سنشتري لك ملابس جديدة فذلك يعني ان احدا سوف يصرف عليه مالا ولكنه ليس اباه او امه لذلك قرر ان يعرض على اخيه اسماعيل ان يعيش معه في القاهرة ليعمل بقالا او ساعيا ولكن اسماعيل وافق في ان يعيش معه في القاهرة ولكن لا يعمل خارج البيت فقرر حليم ان يأكل من عرق جبينه فبدأ يغسل ملابسه وملابس اخيه ويكنس البيت حتى لا يشعر انه عالة حتي علي اخيه‏...‏بعد تسلم عبد الحليم وظيفته في وزارة التربية والتعليم كمدرس اخذ اول مرتب وجرى الى علية اخته واطلق لها حرية التصرف في هذا المرتب واكتفي بأن يشتري اول بدلة وحذاء وشراب وكل ذلك كان بالتقسيط‏...‏‏*‏ لم ينس عبد الحليم ان يعزم صديقه الذي طالما عزمه ولم يتحرج منه لقربه من قلبه انه كمال الطويل عزمه عبد الحليم على ساندويش فول من اول مرتب له‏.‏‏*‏ في صيف‏1951‏ بدأت تربط عبد الحليم صداقة قوية بكمال الطويل ومجدي العمروسي والموجي الذين شجعوه على الغناء وقبض أول عربون لحفلة ينظمها رجل اسمه المعلم صديق ولكن الاخير أصر على ان يغني حليم أغاني عبد الوهاب ولكن حليم رفض بعد ان صرف الجنيهات الخمسة وكان عليه ان يرد العربون الى المعلم صديق فاضطر ان يقترض الجنيهات الخمسة من تحية كاريوكا وكانت هذه هي المرة الأولي التي يطلب فيها حليم فلوسا من احد‏...&r