طالب عبد العزيز
خارج الأطرالتقليدية، وعلى خلاف الطبيعة الانسانية، يطغي الصخبُ على مناسبات الفرح العراقية، ففي حفلات الزواج يفقد الشباب الكثير من كياستهم، ويفرغون من عنفهم وتشددهم الأكثر من ذلك، فتراهم يقطعون الشارع، قافزين، راقصين، بحركات غالبا ما تقع خارج اللياقة والكياسة، بل، وفيهم من يذهب الى حالات أبعد وأشنع،
فهي الأقرب الى الوصف بالجنون، غير مبالين بحاجة الآخرين الى الطريق، أو تعرضهم الى السوء، متحدين السلطات الامنية، في صورة لا يمكن الوقوف على تفسير عقليٍّ لها، إلا عند علماء النفس والباحثيين الاجتماعيين.
جيل صاخب ومأزوم وعنيف، اعتقد أنَّ وصفاً كهذا هو ما يمكن ملاحظته في معظم أبناء الشباب العراقي اليوم، جيل يعرِّف نفسه بالبندقية والسكين والدكة العشائرية في أول احتكاك ومواجهة له مع الآخر، لا يمكنه إلا أن يكون مختلفاً، ولا نجد فيه ميلاً الى تبنّي حياةً هادئة، فكيف تكون مطالبته بسماع الموسيقى الهادئة، هم يسمعون من الغناء ما كان صاخباً، ومتهتكاً، ولا يخلو من الفاظ بذيئة، وإيحاءات جنسية، ونابية أحياناً، هذه طبيعة وصفات الاغاني التي يسمعونها ويرقصون عليها في جلساتهم الخاصة، ونسمعها نحن منهم في البيت والشارع، ومن مضخمات الصوت في سياراتهم، ولا يأبهون من ترديدها في المناسبات، وهناك إصرار على اشاعتها، مع انها تغنّى باصوات نشاز وقبيحة، وتخلو من ادنى مستويات الجمال والتطريب والتذوق الفني.
لا تبدو المقارنة ممكنة معنا، نحن أبناء الاجيال الخمسينية والستينية، الذين كنّا الشهود على الزمن ذاك، لكن، علينا أن نقول لهم بأننا عشنا حياة تختلف عن حياتكم، فلا نجرؤ على تقبل أفعال كهذه، بل ونعدّها مما يمارسه السوقة، من أبناء رجال العشائر، القادمين تواً للمدينة، ومن ذوي العاهات الاجتماعية، التي تفارِق وتختلف في ممارسة ما نتبناه، ونتأمله وفي ما نسمع ونقرأ ونشاهد، تعيقنا الخشية من وجودنا في مجتمع متخلف ولا تكبح سلوكه نظم السلوك العام، ونربأ بأنفسنا عن أي تلفظ ناب، ذاهبين الى التماثل والتساوق مع ما نعاينه في السينما، أو ما نقرأه في الكتب، في سعي محكم ومحسوب بدقة، لأجل بلوغ درجات الكمال الانساني، في ما نلبس ونقرأ ونشاهد، ومن ثم ما نمارسه في البيت والشارع والنادي الليلي أوالملهى احيانا.
إذا تتبعنا السلوك العام المختلف لما يسمعه ويقوم بع الشباب اليوم فسنعثر على مرجعيات (الصخب والعنف) ذاك في أناشيد معارك حرب الثمانينات، التي تسربت بعض مفرداتها الى اغاني واناشيد مقاتلي جيش المهدي، ومن ثم تماهيها العميق في اناشيد الحشد الشعبي، ومقاتلي داعش، ولتستقر أخيراً في اغنية البيت والشارع والمناسبة السعيدة بل ولتخرج من محيطها العراقي الى الملهى في بغداد ودبي وبيروت وباكو وغيرها، في تصدير وتسويق لا اغرب ولا أقبح منه، حتى باتت بغايا المدن تلك يحتفظن به، في هواتفهن الذكية، ويرقصن عليه في ليل السيّاح العراقيين الطويل.