اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: المدفعي وحدود بيلاروسيا

العمود الثامن: المدفعي وحدود بيلاروسيا

نشر في: 15 نوفمبر, 2021: 12:19 ص

 علي حسين

هل يمكن أن نتخيّل عراقاً لم يظهر فيه محمد مكية، والجواهري وغائب طعمة فرمان والسياب وزها حديد وجواد سليم وعلي الوردي ورفعت الجادرجي وناظم الغزالي ومحمد رضا الشبيبي والأب الكرملي، وكوركيس عواد وساسون حسقيل؟،

أو صاحبة الصوت الباسم لميعة عباس عمارة، والمعماريان قحطان وهشام المدفعي اسماء منحتنا الفرح ودهشة المعرفة، وبعضها جعل لنا الحياة ممتعة..لكنك يمكن ان تتخيل عراقا يهرب منه مئات الشباب طلبا للامان والعيش الكريم ويموتون على حدود بيلاروسيا ، تاركين البلاد المؤمنة تواصل معركة الصواريخ والطائرات المسيرة .

بالأمس كنت أقرأ في سيرة المعماري قحطان المدفعي الذي رحل عن عالمنا قبل أيام ، لأجد أن الراحل الكبير لم يكن شاعراً برغم محاولاته القليلة وعشقه لكتابات "أبو نواس" وغرامه بشخصية المتنبي، لكن أعماله نوع متقدم من الشعر والنثر، كل بناء قصيدة، كل انحناءة حجر قافية لبيت شعر مميز، ظل يعزف لمدينته عزفاً منفرداً على الفن وعلى الحياة. عاش في قلب بغداد وأزقتها، تسحره بفوضاها ويومياتها وسرعة تقلباتها من حال إلى حال، كأنها مفكرة أراد أن يكتب على حجارتها أحوال هذه البلاد. وفي الوقت الذي جاء فيه ساستنا "المؤمنين" رافعين شعارات الحرية والمساواة والعدل والقانون فوزّعوا ظلمهم وجبروتهم وغطرستهم على الناس بالتساوي فيما وزّعوا ثروات البلاد بين الأهل والأصحاب والأحباب، كان هناك رجل ينظر بعين الأسى لما حدث لمحبوبته بغداد.

لا يريد ساستنا ان يتوقف الخراب الذي يواصل صعوده بنجاح ، قتلت الناس على هوياتها، من غير أي ذنب، وشُرّد الملايين، ونُهبت المليارات، لكننا ظللنا نخرج كل أربع سنوات لننتخب "جماعتنا" ووصل بنا الأمر حدّ أن نسكت حين خرج علينا شيخ معمم ليقول بلا حياء: "خلي يبوكون، خلي البلاد تخرب، مادام ساستنا يحافظون على المذهب"!!.. وحين قال محمود المشهداني بالحرف الواحد: "لقد سحقنا التيار المدني وسيظل تابعاً للتيار الديني إلى أمد بعيد"، لم يخرج عليه أحد ويطالبه بأن يعود ثانية إلى عيادة الطبيب النفسي. الذين حكموا بالخراب على العراق وأقاموا دولة الفساد وسدّوا كل الأبواب والنوافذ أمام المستقبل، والذين طاردوا المتظاهرين الشباب في الشوارع والساحات، والذين قالوا إن هذا الشعب مجموعة رعاع ومكانهم القبر، والذين هرّبوا المليارات، تصدّروا المشهد السياسي بفضل أصواتنا جميعاً، نحن الذين جعلنا منهم أثرى أثرياء الكرة الأرضية، وجعلوا منا أقواماً كسيحة وفقيرة وعاجزة، تتلفت حولها، تتوجس من جارها، وتخشى مصافحة الآخرين لأنهم لا ينتمون إلى نفس الطائفة .

يرحل قحطان المدفعي، لكن اعماله ستظل خالدة، فيما ستظل هذه البلاد تعاني من الأدعياء، والقافزون فوق سطح التغيير بمنتهى الخفّة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

تعديل قانون الأحوال الشخصية دعوة لمغادرة الهوية الوطنية

ضجة التّماثيل.. كَوديا بعد المنصور!

العمودالثامن: نائب ونائم !!

لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ (إصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة)

العمودالثامن: إضحك مع الدولة العميقة

العمودالثامن: الكهوف المظلمة

 علي حسين درس العلامة جواد علي أخبار وأحداث ابن الأثير وحفظها واطّلع على معظم ما كتب عنها وكل ذلك في إعجاب شديد وحب صادق، وكان جواد علي ابن الكاظمية يعرف أن الموصلي "...
علي حسين

بيانات جديدة عن حالة الأمن الغذائي في الشرق الأوسط: ثلاثة بلدان في المنطقة تعاني من المجاعة بينها العراق

د. فالح الحمـراني أظهرت منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة معدلات عالية بارتفاع نسب المجاعة وسوء التغذية، فضلا عن أعراض مثيرة للقلق للغاية تتعلق بزيادة نسبة السكان الذين يعانون من السمنة. ويرجع هذا الاتجاه...
د. فالح الحمراني

نظرة في الميدان السياسي العراقي.. إلى أين يفضي؟

عصام الياسري أسفرت انتخابات مجالس المحافظات العراقية في ديسمبر كانون الأول 2023، عن مكاسب كبيرة للأحزاب الطائفية الماسكة منذ العام 2003 بالسلطة. وبضعة انتصارات طفيفة فقط للقوائم المناهضة للمؤسسة ولم تفز الأحزاب السياسية المعارضة...
عصام الياسري

التعديل والأهلية.. جدل الفقه الجعفري مع قانون الأحوال الشخصية في العراق

علي المدن مرة أخرى تفشل مساعي تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق بعد أن سبقتها محاولة أولى عام 2017 تقدم بها النائب حامد الخضري. وكما أعلنت تحفظي في المرة الأولى، وكتبت مقالين نشرتها في...
علي المدن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram