TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > العراق وروسيا الاتحادية.. علاقات هوائية في بيئة عاصفة

العراق وروسيا الاتحادية.. علاقات هوائية في بيئة عاصفة

نشر في: 16 نوفمبر, 2012: 08:00 م

كانت العلاقات بين العراق وروسيا وما تزال مثلها مثل العلاقة بين تاجر كبير وتجار صغار، فقد بقيت تلك العلاقات هوائية في بيئة دولية عاصفة في مرحلتي القطبية الثنائية السابقة والقطبية الأُحادية الحالية.

ومن غير المنطقي ولا المعقول أن تضحي روسيا الاتحادية (التاجر الكبير) بمصالحها إزاء الغرب (التجار الكبار) من أجل صفقات مع تاجر صغير مثل العراق.

فمنذ عام 2003 لم تعد السياسة الخارجية في العراق محسوبة لدولة اسمها العراق بقدر ما هي محسوبة  في أحسن الأحوال لكيان سياسي ومحسوبة في معظم الأوقات وأسوأها لكيانات سياسية عراقية.

فالخطاب السياسي العراقي الموحد غاب بشكل كامل وأخذنا نشهد مجموعة خطابات متنافرة، فضلاً عن انعدم وجود الناطق الرسمي باسم السياسة الخارجية العراقية وبدأنا نستمع بقرف لخطابات ناطقين موتورين.

إن المتحكم بالعلاقات الدولية الثنائية في عالمنا المعاصر هي البيئة الدولية التي يصنعها الكبار دون الصغار، وإذا كان الكبار يتبرقعون بالقيم والمثل والمبادئ لتغطية مصالحهم في التعامل مع الصغار فإن قادة وصنّاع القرار للدول الصغار يترفع عن المصالح فقط إذا كانت الأخيرة تمثل مصالح شعبهم لا مصالحهم الجهوية الضيقة.

وعند متابعة مسار العلاقات العراقية الروسية من حيث بواكير هذه العلاقة وحاضرها ومستقبلها ستظل هذه الانتباهات ترن كالأجراس وتستحضر نفسها.

لقد احتل العراق أهمية كبيرة في توجهات السياسة الخارجية الروسية الاتحادية المعاصرة بسبب توافر مشجعات مادية يمتلكها العراق ،كالنفط ورأس المال والموقع الإستراتيجي.

فالعراق ومحيطه الخليجي يشكل منفذاً حيوياً تطل منه روسيا التاريخية (القيصرية والسوفيتية) والحالية (الاتحادية) على المياه الدافئة.

إن حلم الوصول إلى المياه الدافئة ظل وسيبقى حقيقة راسخة عند الروس القدماء والجدد، وكان الإعلان المبكر عن قيام العلاقات الدبلوماسية التجارية بين الاتحاد السوفيتي والعراق في أيلول عام 1944 دليلاً على ذلك.

لكن سرعان ما توترت العلاقات بين البلدين إثر ارتباط العراق بحلف بغداد عام 1955 عندما وجد السوفيت في هذا الملف تهديداً لأمنهم القومي فانقطعت العلاقات بين البلدين في كل المجالات بعد تزايد قيمة النفط في منطقة الخليج.

وعندما تحوّل ميزان القوى التقليدية من صيغة التوازن القائم على التكافؤ الإستراتيجي بين فرنسا وإنكلترا إلى صيغة التوازن النووي بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، في تلك المرحلة أصبح العراق خطا دفاعيا أمامياً عن مصالح الاتحاد السوفيتي ونقطة وثوب وانطلاق لقلب المنطقة العربية.

وشهدت أعوام ما بعد عام 1968 نقلة مهمة في مسار علاقات الاتحاد السوفيتي مع العراق وعبرت معاهدة الصداقة والتعاون عام 1972 عن قوة هذه العلاقات في ما بينهما، وعلى امتداد عقد الثمانينات من القرن الماضي استمرت قوة هذا المسار التعاوني بين الطرفين لحين حدوث تغير جوهري في السياسة الخارجية السوفيتية.

حدث ذلك بانتهاء المواجهة السوفيتية مع الغرب الرأسمالي الذي انعكس سلباً على العلاقات العراقية - السوفيتية عند تأييد السوفيت لقرارات مجلس الأمن إزاء العراق بعد الغزو العراقي لدولة الكويت لا سيما لقرار مجلس الأمن رقم 678 عام 1990 أتاح للولايات المتحدة الأمريكية استخدام القوة العسكرية ضد العراق.

وعندما أصبحت روسيا الاتحادية وريثة شرعية للاتحاد السوفيتي عام 1991 ظل العراق ومنطقة الخليج بشكل عام مساحة مهمشة في التوجهات الخارجية لروسيا الاتحادية مفضِّلة سياسة الموالاة للغرب.

وبعد عام 1995 تراجعت سياسة المولاة الروسية للغرب وعاد الروس نادمين إلى الحلفاء القدامى ،وفي مقدمتهم العراق ،فأخذت روسيا الاتحادية تطالب بقوة في مجلس الأمن برفع الحصار الاقتصادي عنه ثم عارضت الحرب على العراق ورفضت احتلاله.

لقد شكل احتلال العراق في نيسان (أبريل) عام 2003 تاريخاً فاصلاً في مسار العلاقات الروسية العراقية وما حملته  هذه المرحلة من تغيّرات مهمة على الصعيدين الروسي الداخلي والإقليمي والعالمي.

والملاحظ انه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لم تعد علاقات روسيا الاتحادية تستند إلى الجانب العقائدي الأيديولوجي بل على معطيات ومقاربات عملية تستند إلى الواقعية وأفضلية المصالح الذاتية.

وشهدت روسيا الاتحادية طوال عقد التسعينات من القرن الماضي تراجعاً لدورها العالمي مما أدى إلى اختلال في التوازن العالمي لتتفرد الولايات المتحدة الأميركية كقطب أوحد في العالم في ظل نظام عالمي جديد.

وهنا فضلّت روسيا الاتحادية الغارقة في أزماتها الداخلية سياسة التوافق مع السياسات الغربية حيال العراق ،ولكن خلال فترة حكم الرئيس (فلاديمير بوتين 2002-2008) وقفت روسيا الاتحادية  بقوة إلى جانب العراق في كثير من القضايا المتعلقة بنزع أسلحة الدمار الشامل.

الموقف الجديد بدأ من مشروع العقوبات الذكية الذي اعترضت عليه روسيا الاتحادية وأعلنت انه يضر بالمصالح التجارية والاقتصادية الروسية مع العراق مؤكدة دعمها وموقفها الثابت في مساندة العراق وضرورة رفع الحصار الاقتصادي عنه.

ومع بدء الحملة العسكرية الأميركية على العراق أكدت رفضها القاطع لاستخدام القوة ضد العراق وضرورة عودة فرق التفتيش الدولية إليه.

وبعد الاحتلال الأميركي للعراق في نيسان (أبريل) عام 2003 اتسم الموقف الروسي بتحميل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مسؤولية ما يجري في العراق من انفلات أمني واضح وقتل على الهوية وطالبت بضرورة تسليم السلطة إلى العراقيين والإسراع بإخراج القوات الأجنبية من العراق.

ومع مجيء الرئيس ( ديمتري مدفيديف) الذي سعى إلى تعزيز الدور العالمي الروسي وإثبات وجود السياسة الروسية في العراق والمنطقة  توسعت العلاقات بين الطرفين من خلال الاتفاقيات الثنائية، فضلا عن الاستثمارات الروسية وفتح أبواب دبلوماسية وقنصلية جديدة ،منها فتح قنصليات روسية في أربيل والبصرة وتبادل الزيارات الرسمية الرفيعة المستوى بين البلدين ومانتج عنه من تبادل اقتصادي كان آخرها صفقات التسليح للجيش العراقي بمليارات الدولارات.

إن مسار العلاقات الثنائية الروسية العراقية يؤكد القاعدة العامة التي تفيد بأن العلاقات الدولية الثنائية في عالمنا المعاصر محكومة بالبيئة الدولية وبالكبار دون الصغار غير أن لكل قاعدة استثناء.

وإذا أراد العراق أن يكون في علاقاته مع دول العالم بما فيها روسيا الاتحادية متميزاً وفريداً خارج سرب هذه القاعدة فيتوجب عليه توحيد خطابه في السياسة الخارجية والعمل بمعادلة كسب الأصدقاء وتحييد الأعداء.

وأخيراً أن يعمل قادة الكتل السياسية العراقية المتنفذة على مغادرة سياسة الاستقواء بالأجنبي واستحضار سياسة الاستقواء ببعضهم البعض.

عن "نقاش ويكلي"

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: أين اختفوا؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

العمودالثامن: نظرية "كل من هب ودب"

العمودالثامن: كيف ننجو؟

 علي حسين عام 1965 قرر رئيس وزراء ماليزيا آنذاك، تونكو عبد الرحمن، أن يطرد سنغافورة من الاتحاد الماليزي، في ذلك الوقت سأل أحد الصحفيين رئيس وزراء سنغافورة ماذا سيفعل؟ كانت الجزيرة بلا موارد...
علي حسين

باليت المدى: بين الحقيقة والخيال

 ستار كاووش خرجتُ من متحف لام وأنا مُحَمَّلٌ بفتنة الأعمال الفنية والابتكارات المختلفة التي ملأت صالات العرض. وما أن وضعتُ قدمي خارج الباب الزجاجي للمتحف، حتى إنعكس لون الحديقة الأخضر على وجهي. حديقة...
ستار كاووش

الزوجَة الطِفلَة بين التراجيديَّة والكوميديَّة الفقهيَّة

د. لؤي خزعل جبر مِن علاماتِ شعبويَّة ووهميَّة الجدل بين المُنتقدين والمؤيدين للتقنين الفقهي الشيعي ما يسود بخصوص معقوليَّة زواج المرأة بعمر التاسِعَة، إذ يرى المُنتقدون إنَّ المرأة في التاسعة طِفلَة، ويقبُح تزويجُ الطِفلَة،...
د. لؤي خزعل جبر

أكثر من حرب على صوت المرأة

حازم صاغية حينما يوصف أحدهم بأنّه "مسموع الصوت"، يكون المقصود أنّه مؤثّر أو نافذ. فالصوت أداة قوّة وتمكين، ولأنّه كذلك كان مَن يطالب أو يحتجّ "يرفع صوته"، فحين لا يُلبّى طلبه يرفعه أكثر إلى...
حازم صاغية
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram