TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > تطور أساليب جريدة الزوراء منذ صدورها حتى إغلاقها

تطور أساليب جريدة الزوراء منذ صدورها حتى إغلاقها

نشر في: 13 يونيو, 2010: 04:26 م

كان من حظ العراق ان هيأ له واليا عرف بنكران الذات والدأب المتواصل في خدمته والاهتمام بشؤونه المختلفة، وكان من حظه كذلك ان «مدحت باشا» أول من انشأ الصحافة في العراق حتى قرنت باسمه وأرخت بموطئ قدمه العراق عام 1869م.
 وما ان حل في ربوعه حتى بدأ سعيه الحثيث للوقوف على ادوائه وايجاد الدواء لها. لذلك ليس غريبا ان يندفع الرجل الى بث مفاهيم، الحرية، والاخاء، والمساواة التي تشبع بها اثناء مكوثه في فرنسا والتأكيد على الالتزام بالقوانين والانظمة. كل ذلك بفضل جريدته الزوراء التي ساعدت على نشرها بين الناس والتي تعتبر بحق الحجر الاساس في خلق الصحافة العراقية الحرة وكان العراق قبل هذه الفترة محروما من نعمة الصحافة. اذ كانت تصل اليه الصحف من عاصمة السلطنة «استانبول» حيث عرفت السلطنة العثمانية الصحافة اول الامر عام 1831م عندما اصدر السلطان «محمود» امره السلطاني بتأسيس جريدة «تقويم وقائع» التركية فكانت الجريدة الوحيدة التي تصل الى العراق، وكان العراقيون اذ ذاك يتقنون التركية، لانها لغة الدولة الرسمية ولغة التعليم. وكانت الجرائد العربية معدومة آنذاك، ولعل جريدة «الجوائب» لاحمد فارس الشدياق التي ظهرت في الاستانة عام 1980م اكثرها انتشارا فيما بعد في العراق والعالم العربي. وقد لاحظ مدحت باشا هذا النقص فاصدر امره بانشاء الزوراء وقد اطلت على الشعب العراقي في الخامس عشر من حزيران عام 1869 بعددها الاول وفيه كثير من الارشادات والنصائح وما يروم الوالي القيام به، وما يجب على الشعب عمله، فكانت هذه البادرة خير موقظ للشعب، والحافز له للمطالبة بحق مهضوم وحرية مسلوبة، فانصاع الناس الى آرائه وتوجيهاته، كما انهم من ناحية ثانية عرفوا عن طريق الزوراء ان هناك حكومة وقوانين، وان هناك اصلاحا فعليا، ومراقبة على الموظفين من قبل الحكومة حتى بلغ الامر بهذا الشعب ان يتجرأ على نقد حكامه على صفحات الزوراء بحدة وصراحة. وقد كان من قبل محروما منها. وتذكر الزوراء بعددها الثاني، ان مدحت كان «يتحقق عن كل من عرف عنه سوء حاله من الموظفين ليضرب على يده. عزل قائممقام راوندوز لارتشائه، وهكذا فعل بمدير ناحية «عنه» واعوانه لانهم اخذوا بعض المبالغ باسم الرسوم وسيق هؤلاء للمحاكمة، وصار الموظفون يخشون ان يعبثوا بالامن لما يجري من مراقبة فكان الناس بمأمن....ولم يكن صدور الزوراء اعتباطا او كانت بنت ساعتها وانما اعد الوالي العدة قبل صدورها فاصطحب المحررين من الاستانة وعلى رأسهم الكاتب التركي المعروف «احمد مدحت افندي» وجلب لها المطبعة المسماة «مطبعة الزوراء» «الولاية» من فرنسا وما ان تمت كل الترتيبات حتى طلعت على قرائها في صبيحة اليوم الخامس عشر من حزيران باللغتين العربية والتركية وقد جاء في ترويستها ـ صدرها: هذه الغازيتا تطبع في الاسبوع مرة يوم الثلاثاء وهي حاوية لكل نوع من الاخبار والحوادث الداخلية والخارجية. وقد نشرت في هذا العدد صورة الفرمان العالي «لمدحت باشا» بتوليه بغداد وهذه بعض فقراته المترجمة الى العربية بلغة ذلك العهد:ـ «توقيعي الهمايوني الرفيع اذا وصل يصير معلوماته من المستغنى عن الوصل والبيان والايضاح والتبيان، خطة ولاية بغداد الجسيمة من اعظم القطع المركبة من الممالك المحروسة من دولتي العلية...»وفي هذا العدد جاء تحت عنوان «المقالة» خطاب «مدحت باشا» الذي القاه في الاحتفال بقراءة ذلك الفرمان العالي، ويكاد يكون اشبه بالمنهاج الوزاري في يومنا هذا، وفي ثناياه الصورة الواضحة لشخصية مدحت باشا، وميله الشديد الى اثارة النفوس وشحذ الهمم للعمل وهذه مقتطفات منه كما ترجمته الزوراء:ـ «قد علم من يعرف التركية حكم هذا الفرمان العالي السلطان، ومن لم يعرف وجب عليه ان يعرف من غيره، وان جل مقاصد سلطاننا ان ينال الاهلون الرفاه والسعادة وفي ظل العدل والرأفة سواء كانوا مسلمين او غير مسلمين وان ينالوا الحد اللائق من استكمال ذلك والمحافظة عليه، وان اول واجب الموظفين ان يخدموا هذه المهمة ويقوموا بها خير قيام...» ثم ينتقل الوالي بعد هذه الى وصف حالة العراق وتأخره وما وصلت اليه والى فطرة أهله وشهرتهم فيقول: «... وهنا الاراضي تقبل كل نوع من العمارة والاهلون لائقون لكل تعليم، فطرتهم معلومة واستعدادهم مشهور، فيستطيعون اكثر من غيرهم التقدم، لينالوا حظا من الثروة والحضارة... ولكن الخراب المستولي، وعدم النشاط ناجم عن تقصير الاهلين.. ولا منجاة من هذه الورطة الا بالانقياد للمتبوع الاعظم...» وبعد هذا يستطرد مدحت باشا في وصف الغنى ويذكر العراقيين بحالة العصر وتقدمه ويقول: «... وليعلم ان الغنى لا يراد به جمع النقود ووضعها في الصناديق.... وحبسها هناك وانما النقود المطلوبة هي ان تتداول بين الناس وان يراعي فيها وجائب العصر وحالات

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram