صدرت في عهد ولاية الوالي الشهير مدحت باشا على العاصمة بغداد المعروف في تاريخ الشرق الاوسط بأبي الحرية والدستور، اول جريدة في تاريخ هذه الديار تطبع على آلة ميكانيكية استقدمها معه من باريس لهذه الغاية، وقد أسماها بأحد القاب عاصمة بني العباس، وأم العواصم (بغداد)، وهي الزوراء وذلك في يوم 16 حزيران عام 1869.
وبقيت الجريدة تصدر لمدة تقارب نصف القرن، تحمل في كل اسبوع الى قرائها الاخبار الرسمية والاعلانات الحكومية وتنقلات الولاة واخبار بغداد ومدن الدولة، ولا تبخل بأهم ما يقع في العالم الكبير وما يستجد فيه من احداث، وقد تنشر المقالات الانتقادية، والمواضيع الادبية والعلمية وذلك باللغتين العربية والتركية، وهي بذلك اقدم جريدة عراقية ظهرت الى الوجود، اضافة الى انها الجريدة الوحيدة التي عاشت مدة طويلة تمتد 49 عاما من 16 حزيران سنة 1869 الى 11 آذار سنة 1917 وهذا العمر الطويل لم تعشه جريدة عراقية حتى الان سواء اكانت من القطاع العام أم من القطاع الخاص. ومن الطبيعي ان جريدة هذا عمرها وأثرها قد أسهم في اصدارها عدد كبير من الموظفين والمحررين والفنيين والعمال، ولكن من المؤسف حقا ان هذا الجيش الجرار من جنود القلم، أكثرهم مجهول لدى الباحثين والمؤرخين ولدى القارئ العادي بخاصة، لاسباب عدة، منها فقدان المجموعة الكاملة لصحيفة الزوراء، وعدم تيسرها لمن يريد التصدي لهذا الامر، ومنها قلة او انعدام عناية، الكتاب والمؤرخين في الجيل الماضي بأمور الصحافة والصحف، لضعف الثقافة العامة او انعدامها وقلة الرغبة في هذا اللون الاعلامي الجديد، اضافة الى الجهل والامية اللذين كانا الصفة السائدة لعموم القطر وتقلب الحكم في أيدي ولاة متعددين، يهدم احدهم ما بناه الآخر طبقا لرغبة سيد الباب العالي الذي يصدر فرمانه لمن يشاء من صنائعه وحاشيته من الحكام الا ما ندر وشذ! هذه الاسباب والعوامل وغيرها ادت الى قلة المعلومات عن كتاب ومحرري هذه الجريدة الام في العراق.وهذا الواقع والجو المظلم لا يدعوان الباحث الى القاء سلاحه ووقوفه مستسلما على الرصيف! انه يجب ان يطرح ما عثر عليه، وما اجتهد فيه، وعلى الباحثين الاخرين ان يطرحوا ما عندهم في حوار مفتوح على آراء مستندة إلى الشواهد والمستمسكات والوقائع التاريخية حتى تنجلي الحقيقة التي هي بنت البحث كما يقولون!وعلى هذا الاساس كتبنا هذا الموضوع الذي نأمل من المؤرخين والمختصين ان يضيفوا اليه ما يرون فيه فائدة لجلاء الجوانب المظلمة.لقد حرر في الزوراء اول الامر بعض موظفي الولاية ممن لم يحسنوا العربية لذلك اصاب القسم العربي منها «التباين في الاسلوب فكانت سخيفة أحيانا» وقد تداركت السلطة هذا الامر، فأناطت تحرير قسمها العربي بجماعة من رجال العلم والادب من العراقيين منهم: احمد عزت باشا الفاروقي الموصلي، ثم تولى تحرير الزوراء بعد الفاروقي اخوه علي رضا وقد حرر فيها كذلك الشاويون، عبد الحميد، واحمد وعبد المجيد والاستاذ طه الشواف والعلامة محمود شكري الالوسي. وها نحن اولاء نسرد بصورة مختصرة من شغل رئاسة تحرير الزوراء من ادباء العراق وشيوخه، جاعلين وكدنا الاشارة الى هذه الوظيفة، وضمن مجالها جهد الامكان، مشيرين الى النهضة الادبية والعلمية التي كانت تشمل بغداد في الجيل الماضي، والتي هي امتداد للحركة المباركة التي بدأت في عهد داود باشا الوالي، وامتدت الى هذ العهد، كما نشير أيضا الى ظهور الانشاء (الصحفي) في الادب العراقي والذي كان أول من حسنه من رجال الصحافة الشيخ احمد فارس الشدياق صاحب الجوائب (صدرت في 1860) وبطرس البستاني في الجنان (توفي سنة 1883) على ما يقول الاستاذ جرجي زيدان مؤسس مجلة الهلال.1ـ احمد مدحتأول رئيس تحرير لجريدة الزوراء يصفه الاستاذ صديق الدملوجي بانه من كبار كتاب تركيا، ويصفه الاستاذ المؤرخ عباس العزاوي انه كان له شأن في عالم الادب والتاريخ ويصفه استاذ الصحافة في جامعة بغداد السيد منير بكر التكريتي بالكاتب التركي المعروف. ولد عام 1841 من عائلة معدمة في تركيا، وقدم بغداد مع الوالي المصلح مدحت باشا وقام بمهمة رئاسة تحرير الزوراء.. والظاهر انه غادر بغداد في عام 1870 الى استانبول بتأثير من السلطان حيث انقلب على أفكار مدحت باشا وناصبه العداء وصار ذيلا لاعداء الدستور. له عدة مؤلفات في التركية منها اس انقلاب وحقائق الوقائع.2ـ احمد عزت الفاروقيهو اول رئيس تحرير للجريدة من العراقيين.ولد في الموصل سنة 1828 (1244هـ) ويذكر الشيخ عبد الرزاق البيطار الدمشقي ان اجداده قدموا الموصل من الشام وقد تخرج على علماء بغداد والموصل واتقن الفارسية والتركية. وكان كاتبا وشاعرا، جمع شعر الشاعر البغدادي عبد الغفار الاخرس والف كتاب العقود الجوهرية في تراجم أدباء عصره، وله كتب أخرى تدل على عقلية موسوعية منها رحلته الى نجد ورسالته عن التصوير الشمسي ومجموعته الشعرية، وعرب من التركية وكتاب احكام الاراضي.وقد اورد الاستاذ منير بكر له قصيدتين يمدح باحداهما السلطان عبد العزيز ويهنئ بالاخرى الوالي مدحت، وكلتاهما منشورتان في جريدة الزوراء ومنهما نستدل على ان الفاروقي ترأس تحرير الزوراء خلفا لاحمد مدحت لان تاريخ القصيدتين هو 1871 وولاية مدحت باشا على بغداد انتهت في 23
رؤساء تحرير جريدة الزوراء
نشر في: 13 يونيو, 2010: 04:31 م