د. فالح الحمـراني
بعث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من خلال كلمته امام اجتماع موسع لهيئة وزارة الخارجية الروسية، برسالة الى العواصم الغربية، ترسم الحدود الخضراء التي لا ينبغي تخطيها، وتتضمن اشارة إلى أن تصفية أجواء العلاقات بين الأطراف تتطلب من الغرب خفض ستوى المواجهة مع الاتحاد الروسي، فضلا عن تقديم ضمانات أمنية لموسكو. كما تنوي روسيا، وحتى تحقيق ذلك، التحدث مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والناتو بلغة “الخطوط الحمراء” ، مع عدم إغلاق أبواب الحوار.
وهذه من الحالات النادرة التي يعطي بها الرئيس الروسي، وهو المسؤول وفقا لدستور عن تخطيط معالم السياسة الخارجية، تعليمات عامة للدبلوماسيين تحت عدسات كاميرات التلفزيون. ويذكر أن آخرمرة التقى فيها بوتين برؤساء الجهاز المركزي لوزارة الخارجية والبعثات الخارجية الرئيسية في صيف2018 ، ومنذ ذلك الحين، شهدت وزارة الخارجية العديد من التغيرات في قوامها، وحدثت تغيرات عميقة في الوضع العالمي، ولكن النهج الرئيسي للسياسة الخارجية للاتحاد الروسي على حاله دون تغير- فهو يعارض توسع نفوذ الغرب، بينما يحاول في نفس الوقت الاتفاق معه بشأن إطار التدخل في الشؤون الداخلية للآخر. ويرى العديد من المراقبين من خطاب الرئيس بوتين “ان نهج روسيا هذا في السياسة الخارجية سيبقى في المستقبل.»
وفي دلالة على أن روسيا بصدد إحداث تغيرات جوهرية في مسار واتجاهات سياستها الخارجية وطبيعة علاقاتها الدولية، لفت الرئيس بوتين في خطابه امام الهيئة الدبلوماسية الموسعة، الأنتباه إلى أهمية تعميق التعاون في إطار الهيئات الدولية التي تأسست ا إلى حد كبير بمبادرة من موسكو، وتواصل دعمها مثل( بريكس (التي تضم : البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا، و(منظمة معاهدة الأمن الجماعي) ومنظمة (شنغهاي للتعاون). وعلى هذا النحو يتبين من كلمات الرئيس الروسي، أن ثمة شركاء رئيسيين في السياسة الخارجية، واشار بوتين إلى ان الهند، التي سيقوم قريبا بزيارة لها، تحظى من بين اؤلئك الشركاء بمكانة مميزة. وعلى حد تعبير بوتين: “ان العواصم الغربية لاتفي بوعودها، و بشكل عام لا يُعتمد عليها. ويرى الزعيم الروسي أن السبب الجذري للمواجهة مع الغرب هو توسع الناتو باتجاه الشرق. في إشارة الى انضمام دول اوروبا الشرقية التي كانت تدور في محور الإتحاد السوفياتي السابق الى حلف شمال الأطلسي، وانتشار قوات الناتو واسلحته على تخوم روسيا، ومد نفوذه في كل من اوكرانيا وجورجيا. وعلى وفق تقييم الرئيس بوتين فإن العلاقات بين الاتحاد الروسي والغرب كانت قبل تمدد الناتو، “شبه متحالفة” والآن بدأت فترة المواجهة.
وتحدث بوتين بشكل عام عن الجوانب العسكرية للعلاقات مع الغرب كما أشار إلى تركيب أنظمة دفاع صاروخي في دول أوروبا الشرقية، والتي وفقًا للرئيس، يمكن تحويلها بسهولة لتضرب روسيا ،ويعمل الغرب ايضا وفقا للرئيس الروسي على تأجيج النزاع في شرق أوكرانيا وتتفاقمه بتزويد كييف بالأسلحة، ودعم نهج السلطات الأوكرانية بعدم تنفيذ اتفاقيات مينسك.
وكرس الرئيس بوتين جانبا من خطابه للنزاع الأرمني / الأذربيجاني، حيث ان الغرب لا يلعب دورا ملموسا فيه، ولاحظ الرئيس الروسي: إن الاتحاد الروسي سيستمر في لعب دور صانع السلام فيه، ويدعو إلى فتح جميع الاتصالات في جنوب القوقاز في أقرب وقت ممكن. وفي حديثه عن الصين، أشار مرة أخرى إلى محاولات الغرب إثارة الخلافات بين موسكو وبكين.
ولاحظ مراقبون إن أهم جانب في خطاب بوتين يتعلق بما أسماه “الخطوط الحمراء” واعادوا الذاكرة إلى ان بوتين كان قد استخدم هذه العبارة مؤخرا بكلمته في”نادي فالداي للمناقشة”حينما تناول ظهور القاذفات الأمريكية في البحر الأسود. واشاروا الى قول بوتين إنه على الرغم من أن السياسيين الغربيين...يبدون غير مبالين بشأن تحذيرا موسكو، ولكن التحذيرات الروسية وجدت لها صدى ملموسا.وقال بوتين ان توترا ملموسا قد نشأ في حوض البحر الأسود.
والقى الرئيس الروسي على الغرب مسؤولية أزمة المهاجرين من العراق وسوريا ودول اخرى الذين حاولوا دخول اوروبا من خلال الحدود مع بيلاروسيا، وكذلك إثارة ضجة بصدد تورط روسيا فيها. وفي هذا الصدد، يرى نقطتين مفادهما : ان الغرب يحتاج إلى الحفاظ على هذه الحالة لأطول فترة ممكنة حتى لا يثير نزاع على الحدود الغربية لروسيا، واقترح بوتين اعطاء تقييما للوضع هناك ، وألقى باللوم على الغرب في إثارته.
في الوقت نفسه، شدد الرئيس الروسي بكل طريقة ممكنة على أن أبواب الحوارمع الولايات المتحدة، وتطبيع حسب قوله، “غير المرضية”، ومع” الاتحاد الأوروبي، “ الذي لا يزال يدفعنا”، “وحتى مع حلف الناتو” منوها بان روسيا منفتحة، وحدد بوتين الموضوع الرئيسي لهذا الحوار من خلال مخاطبة وزير الخارجية سيرجي لافروف مباشرة. وقال له: “من الضروري طرح قضية توفير ضمانات أمنية جادة في هذا الاتجاه».
وتجدر الإشارة إلى أنه وعشية خطاب الرئيس الروسي، أدلى سياسيون غربيون بعدد من التصريحات التي تشير إلى أن مثل هذه الاتفاقات مع الاتحاد الروسي وحليفته البيلاروسية غير مقبول بالنسبة لهم، على سبيل المثال، أوضح الممثل الرسمي لمجلس وزراء جمهورية ألمانيا الاتحادية، ستيفن سيبرت، أن حل أزمة الهجرة أمر مستحيل على حساب الاعتراف بشرعية ألكسندر لوكاشينكو. كما تحدث لافروف في نهاية الإجتماع أن الغرب لا يريد على الإطلاق السعي لتحقيق توازن في المصالح مع موسكو. ووفقا له فان امكانيات النزاع تتراكم في علاقات روسيا مع الغرب، لكن الوزير لم يكشف عن السبل الممكنة لإحداث الانفراج في تلك العلاقات، والخروج من الوضع المهدد، بكل تداعياته على مجمل الوضع الدولي.