وهي مؤشر حضاري يدخل البلاد بعد سنوات طويلة من التخلف والاستبداد الاداري العثماني وهي تاريخ يبدأ منذ عام 1869 حين تسلم الوالي مدحت باشا امور ( ولاية بغداد ) ليجري فيها اصلاحاته ويقدم فيها جهده ( الحضاري ) المتواضع .. الذي كان كبيرا ومفاجئا وجديرا بالتقدير في حينه ... وربما حتى الان و ( الزوراء )
بداية متواضعة ولكنها مؤثرة حقا اسهمت في الارشاد والوعي وخلقت حسا نقديا عاليا لدى الناس الصامتين .. والصامدين في نفس الوقت الذين وجدوا فيها متنفسا للتعبير عن حاجتهم وافكارهم وهي بعد ذلك مناسبة .. حين اصبحت للصحافة وللصحفيين في العراق عيدا يحتفلون به في الخامس عشر من حزيران من كل عام. 49 عاما من الصدور لقد بلغت الاعداد التي صدرت من الزوراء رقما توقف عند الـ ( 2606) نتيجة للاحتلال البريطاني لمدينة بغداد .. بعد ان استمرت في الصدور وبصورة منتظمة لمدة تسعة واربعين عاما وباللغتين العربية والتركية ولقد ظهرت اول صدورها بصفحتين من الحجم المتوسط وبثلاثة اعمدة لكل صفحة لتقدم في يوم الثلاثاء من كل اسبوع اخبار الوالي وحركات العشائر والاحوال الاقتصادية ولتكون من خلال اعدادها الاولى رائدة للافكار الحرة نتيجة لما كانت تظهره من الجرأة والاقدام والثبات في خدمة الراي العام حيث كانت تتحدث الى الشعب بحرية وصراحة تامتين وتكشف المساوئ التي كانت قائمة في الاجهزة الادارية المختلفة ولعل من الطريف ان ننقل هنا بعضاً من النقد الذي وجهته الى التعليم واساليبه والقائمين عليه ... برغم العبارات الركيكة التي كانت تسودها تقول ( الزوراء ) في احد اعدادها تحت عنوان (خذ ما صفا... دع ماتكدر).- وساغني عن الايضاح اذ المكاتب ( يقصد المدارس) الموجودة عارية عن الكفاية الى جسامة ممتلكتنا المعلومة والسليمة سوى تزييدها وتكثيرها وايصالها الى الدرجة اللازمة الذي يثبت به الان هو اصلاح الموجود منها فينبغي في اول الامر ان ترفع المكاتب التي في الدور الاسواق والحوانيت بالكلية ويفتح الان في كل محلة مكتب وليدخل اهالي كل محلة صبيانهم بذلك المكتب ولتستحصل الاسباب لان لايجري التعليم احد قطعا للاطفال ان تعين محال الكاتب ينتقل الشغل الى المعلمين والشرط الاعظم ان يكون المعلمون من ارباب الاقدار على التدريس والتعليم .وتاتي اسباب ضعف اللغة الذي ساد الصحيفة نتيجة تولي بعض موظفي الولاية ممن لايحسنون اللغة العربية اعمال التحرير فيهاوقد اشار الى هذا الامر كل من الاب انستاس ماري الكرملي وروفائيل بطي حتى انهما وصفا اسلوبها بالسخف احيانا وبان مواضيعها لاتستحق الذكر rnالتزلف للوالي واهمال المشاكلوفي اواخر السنة الاولى من صدور الزوراء بدأت هذه الصحيفة بالتقرب من الوالي مدحت باشا بالثناء عليه والاشادة به بحيث اهملت الى حد مانشر مشاكل المواطنين ومراقبة الموظفين مما دفع بالمفكر العربي ( احمد فارس الشدياق ) صاحب جريدة الجوانب الى توجيه النقد لها مشيرا الى اهمية ظهورها من اجل اظهار الحق لا لتكون رواية مديح للوالي والمجلس ثم ليؤكد اخيراً :لهذا كان من مصلحة الرعية ان تكون لهم صحف خاصة بهم )اما في سنتها الثانية ... فقد اصبحت تصدر مرتين في الاسبوع وذلك اعتبارا من عددها 126 حيث صارت تصدر ايام السبت ايضا اضافة للثلاثاء مستمرة باسلوبها الضعيف ولغتها الركيكة وفي 13 شباط من عام 1889 اي بعد حوالي عشرين سنة على صدورها ظهرت الصحيفة بثماني صفحات .. الاربع الاولى منها بالتركية والاربع الاخرى بالعربية وتم اجراء تغيير على تبويبها حيث اصبح للاخبار الداخلية مكان الصدارة ومن بعدها الاخبار الخارجية.. الاوامر السلطانية ومن ثم كلمات الثناء والاطراء على سياسة السلطان فضلا عما تضمنته اعدادها من ارشادات عامة ومقالات صحية لارشاد الناس وتنبيههم الى ضرورة الاهتمام بالصحة العامة واتخاذ التدابير للوقاية من الاوبئة وانتشارها وقد ظهرت على الزوراء بوادر التطور في اللغة والاساليب وفي التوجه العام الى امور وقضايا المجتمع حيث استخدمت ولاول مرة اسلوبا تهكميا ساخرا بقصد تنبيه المسؤولين الى مظاهر التخلف والتأخر في نواحي الحياة المختلفة فمن مقالاتها التي اتجهت بهذا الاتجاه نقرأ:- ( ما اعجب الحال وما اغرب هذه الاحوال ان قوة انباتية اراضي الحنطة العراقية التي هي فوق العادة حال كونها قد حيرت العقول وملأت بطون صحايف التاريخ وازدهرت في افاق العالم كالمريخ فنحن الى الان نروم (خفض) هذه الشهرة المرتفعة ونريد ان تبقى بلا اسم ولا شهرة والى الان نستعمل الالات الباقية من عهد نوح ومع هذا فلا يمر بخيالنا امر تزييد زراعتنا وتكثيرها ولا يسري بخاطرنا بحيث توسع دائرة تجارتنا وتوفيرها الزهاوي والرصافي رئيسان للتحرير!في 14 نيسان عام 1890 تم تعيين الشاعر جميل صدقي الزهاوي مديرا لمطبعة الولاية ومحررا للجريدة بقسميها العربي والتركي ولغاية 2 تموز 1901 حيث جرى تعيين السيد محمد فهمي المدرس رئيسا للتحرير اما في 7 شباط عام 1905 فتولى رئاسة تحريرها الشاعر المعروف معروف الرصافي ومع ان هؤلاء الثلاثة كانوا كتابا معروفين ... الا ان اثرهم الادبي والاسلوبي لم يظهر جليا في جريدة الزوراء .. ولعل السبب في ذلك يرجع الى ان اشرافهم على الجريدة كان شكليا فقط وان اغلب المهيمنين عليها من
الزوراء .. تاريخ للصحافة العراقية
نشر في: 13 يونيو, 2010: 04:33 م