TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > فـي محل خياطة أمريكي

فـي محل خياطة أمريكي

نشر في: 13 يونيو, 2010: 04:44 م

نجوى عبد الله  أميركاأخذتني مسؤولة تشغيل اللاجئين في ولايتي الى محل خياطة للعمل معهم، مهنة لا أعرف عنها شيئا كما لا أجيد مسك الابرة، لكن صاحبة العمل (ساندي) بابتسامتها الرقيقة وبثقتها العالية بعملها أكدت لي تعاونهم معي لاجتياز الاختبار.  كنت على يقين أن وجودي معهم لساعة كاملة هو معجزة،
 لما يتطلبه العمل من مهارة فائقة وسرعة في التنفيذ مع دقة بضربات الابرة النحيفة. الساعات الاولى من الاختبار تخطت الساعة الرابعة عصرا، والابرة تتعثر بين أناملي مع ارتجاف القماش الثمين تحت يدي. عندما هممت بالخروج سألت (ساندي) هل بإمكاني المجيء يوم غد؟ فأجابت بكل رقة: إذا كنت تحبين العمل معنا فنحن مسرورون بذلك، لكن عليك أن تتفاعلي مع العمل أكثر وان لا تتكوري على القماش، استرخي بالعمل وسيمكنك الاجادة.سمعت نصيحتها بكل ود مع يقيني ان استمراري بالعمل معهم لن يتعدى يوما اخرا واذا حدثت معجزة كونية ستكون المدة اسبوعا ثم أنهي خدماتي بكل تواضع واعتراف صريح من قبلي. اليوم الثاني كان أهون بكثير من اليوم الأول، بمساعدة الخياطتين الآسيويتين الماهرتين اللتين كانتا طيبتين معي جدا وتحاولان مساعدتي لاجتياز الاختبار، وحصولي على فرصة عمل محترمة في امريكا. لقد كانت صورة وصوت أمي حاضرين معي وأنا أعالج القماش بالإبرة والخيط لكن لا فائدة فمقدرتي بسيطة جدا مقارنة بالعاملات رغم ذلك اتقنت البعض من الأساليب الدقيقة بمساعدة الخياطتان الماهرتان، وكانت ساندي وأختها لا تتوقفان عن ملاطفتي ومجاملتي رغبة منهما في التخفيف من حدة الخجل والإحراج التي تنتابني. انتهى اليوم الثاني بعد ان أمضيت ساعاته، لكن بعد ان وصلت البيت وانا اشعر بنوع من الرضى لحصولي على فرصة عمل او تعلمي مهنة حرفية، ومرت ساعة من راحة الغداء والشاي، حتى أتاني هاتف يخبرني عن عدم حاجة محل الخياطة لي لأن وقته الثمين ليس ملك للمتدربات من أمثالي. حزنت بعض الشيء لكن ما توقعته حصل بالتمام. ساندي غير مضطرة لفقدان وقتها الثمين في بيع الستائر الباهظة كي تضيعه في تدريب نساء،هي بحاجة إلى عاملات خياطة محترفات. لكن الشيء الذي أزعجني، كيف لساندي ان تكرر رغبتها ببقائي معهم في المحل اذا أحببت انا العمل معهم لحين مغادرتي المحل في اليوم الثاني، لكن بطريقة متحضرة تتبعها أمريكا في إبلاغ الموظفين بترك العمل معهم هو اتصالهم الهاتفي بعد بضع ساعات من العودة للمنزل ليتمكن المفصول من السيطرة على أعصابه وحزنه وهو بمنزله.بعد هدوء العاصفة وعودة اشراقات الأمل والتفاؤل الى نفسي ونسياني امر محل الخياطة هو وأصحابه البشوشين، تسلمت ظرفا بريديا باسمي ومعه صك نقدي مصروف من قبل محل الخياطة عن عملي ليومين. السؤال والمقارنة مازالت تخيم في رأسي: ماذا لو حصل وكنت متدربة في محل خياطة عربي؟ هل كنت أحصل على أجرتي الكاملة ؟  الآن بمقدوري ان اصلح اثوابي وقطع المنزل اذا تعرضت الى تمزقات أو احتاجت الى بعض التعديلات، وذلك بأن أمسك الابرة وانا مبتسمة ومنشرحة كلما تذكرت تجربتي الاولى في محل خياطة أمريكي، وهذا يكفيني جوابا عن سؤالي حول أسلوب التعامل في بلداننا العربية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram