نحو 30 عملا جديدا قدمها التشكيلي العراقي يحيى الشيخ في معرضه الشخصي بغاليري "الأورفلي" بالعاصمة الأردنية والذي حمل عنوان "أكثر من سيرة" وافتتح الأسبوع الماضي.
وفي سيرة ابن جيل ستينات القرن الماضي، انه من جيل السجال الفكري والإنساني والمجدد لكثير من الأساليب، ومنها أساليب التشكيل العراقي التي بدأت حينها بالافتراق عن تجربة الرواد وما بعدهم، عن الكشف عن سر وجوده قبل أيام في عمّان، انه أخيرا تعب من سيرة امتدت لنحو 35 عاما في المنافي: درس الماجستير في يوغسلافيا السابقة 1970 ثم الدكتوراه في الاتحاد السوفيتي السابق 1984 ثم إلى سوريا لصعوبة عودته إلى بلاده التي كان يحكمها نظام صدام حسين الذي كان الشيخ احد ابرز معارضيه من بين المثقفين العراقيين، ثم من دمشق إلى ليبيا للعمل أكاديميا في إحدى جامعاتها، ثم إلى عمّان مؤقتا ومنها إلى النرويج لاجئا سياسيا، ومنها إلى تونس للعمل الأكاديمي مرة أخرى، قبل أن يقرر الانتهاء من سيرة شاقة كهذه في الاستقرار بمدينة عمّان التي تضم طائفة كبيرة من مثقفي بلاده وتحديدا فنانيها التشكيليين، ممن وجدوا في عصرية المدينة وحيوية معارضها التشكيلية على مدار العام فسحة ممكنة لا يبدو العراق اليوم قادرا على أن يتوفر عليها.
هو في معرضه " أكثر من سيرة" يدخل مغامرة جديدة، في الاشتغال فنيا على خامات لم تعرفها اللوحة العراقية والعربية من قبل، كما في أعماله على الصوف، واستنطاق الرؤى والأفكار جماليا في دأب وصبر، هو اقرب إلى دأب العارف الروحاني في نسج رؤاه وأفكاره. كما أن مغامرته لا تتوقف عند العمل على الصوف الذي يتطلب صعوبة جمة، بل ينسج من الريش قراءة للحياة والإنسان حين يغدو ما هو قرين بالزوال والفناء مؤشرا على جماليات تستحق النظرة المتمعنة العميقة.
ومثلما عرف الشيخ، غرافيكيا بارعا، فانه في معرضه الجديد سيقدم مجموعة من أعماله الغرافيكية الجديدة، بما يجعله متصلا بأسلوب كانت له فيه أكثر من لمسة خاصة ومؤثرة.
معرض الشيخ الجديد.. دليل آخر على حيوية التشكيل العراقي وتجدده أيضا.
ويحيى الشيخ هو ابن مدينة العمارة (جنوب العراق) المولود فيها العام 1945، وهو ابن الموروث المندائي، لا لمجرد الامتياز الديني، بل بما منحه ذلك الموروث من طاقة فكرية تبعثها عناصر تلك البيئة الجغرافية والإنسانية: الماء، القصب، شجرة الياس، جريد النخل والبردي. هي عناصر كوّنت مؤثرات مزاجه الفني الأول ،فثمة تضاريس الأرض، التراب المحروث، الصدأ، الخشب وتشققاته، ثم مالبثت هذه المؤثرات الطبيعية أن صارت عناصر أساسية في بناء لوحته وسياقها اللوني.