TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: (استشراق) إدوارد سعيد وسياسات الترجمة

قناديل: (استشراق) إدوارد سعيد وسياسات الترجمة

نشر في: 27 نوفمبر, 2021: 11:09 م

 لطفية الدليمي

صار اطلاعي على موقع أمازون الالكتروني للكتب ، ومنذ سنوات ، بعض تقاليدي الصباحية . أفتح نافذة الأمازون (لأتنفّس) نسيم الكتب الجديدة حتى لو كانت إفتراضية، وأروح ساعاتٍ أدقق في هذا العنوان

وذاك ، أفتحُ الـ Preview الخاص ببعض الكتب وأطالع قائمة محتوياتها وبعض الصفحات الاولية المتاحة التي يجود بها علينا الأمازونيون الرقميون الأفاضل . إنها لعبة تسلسلية قد تستمرُّ ساعات ؛ لكنها ساعات لذيذة ملأى بالترقّب والعيش مع الأفكار ؛ وهل ثمة أجملُ من معايشة الأفكار ؟ لاتنسى ( الخوارزميات ) اللعينة أن تعاضد ( الأمازون ) في لعبة الافكار هذه ؛ إذ عندما تختارُ عنواناً سرعان ماستجد نفسك غارقاً وسط طوفان من العناوين التي تتصادى مع عناوين كتبك .

كنتُ في بداياتي مع البحث الأمازوني الصباحي أقرأ عنواناً لكتاب جديد ، ثم سرعان ماأقرّر ترجمته بعد اطلاعي على بعض محتواه ، ثمّ بعد بضع سويعات تفتنني كتب عديدة أخرى حتى عرفتُ – تبعاً للخبرة المتواترة – أنّ صراعنا مع أمازون محكوم عليه بالخسران لامحالة . كم سنترجم في السنة : كتاب ؟ إثنان ؟ ثلاثة ؟ ثم ماذا بعدها ؟ وحتى لو تشارك ألفٌ من أفاضل المترجمين العرب ؛ فكم سيترجمون ؟ ثلاثة آلاف كتاب مثلاً ؟ ماذا ستكون هذه الثلاثة آلاف كتاب إزاء التسونامي المليوني من الكتب الجديدة ؟ عرفتُ نهاية اللعبة : طالع العناوين الجديدة بقدر ماتستطيع ، إقرأ منها بقدر ماتستطيع ، وانتخب منها ماتراه مناسباً للترجمة وبقدر ماتستطيع . الأمر كله يتحرّك في حدود الاستطاعة البشرية ، وحتى لو صار واحدنا بلدوزراً بشرياً فسيبقى محكوماً بشروط المحدوديات البشرية . نحنُ في النهاية لسنا روبوتات تعملُ بلا هوادة .

وسط شعوري اليومي بعدم قدرتنا على مناغمة الجهد الترجمي مع طوفان المنشورات العالمية الجديدة ( وهو شعورٌ أحسبُ كلّ المترجمين العرب يتشاركونه معي ) قرأتُ قبل بضعة أيام خبراً يفيدُ بصدور ترجمة جديدة – هي الرابعة – لكتاب الإستشراق Orientalism للراحل إدوارد سعيد ، وهذا الكتاب هو بالتأكيد أيقونة سعيد التي نشرها أول مرة عام 1978 ثمّ أضاف لها فصلاً إضافياً ( يسمونه تذييلاً ) في طبعات لاحقة .

تساءلتُ بمرارة : هل من المُجْدي -كسياسة ترجمية - أن نعيد ترجمة كتاب تُرجِم ثلاث مرات من قبلُ ؟ كان الاعلان عن الترجمة الجديدة مشوباً بنبرة احتفائية يُفهَمُ منها تحقيق انتصارٍ ساحق على المترجمين السابقين بالضربة القاضية ، وواقع الأمر ينبئ بغير هذا . نعرفُ تماماً أنّ الدكتور كمال أبو ديب جعل من الترجمة الأولى للكتاب عام 1981 ميداناً تطبيقياً لبعض المناورات اللغوية البنيوية الثقيلة التي لايستسيغها القارئ العربي ولاموجب لها أصلاً ، ثم جاءت ترجمة الدكتور محمد عناني عام 2006 وكانت مقبولة إلى حد كبير وتقدّمُ خريطة لأفكار الكتاب .

يروّجُ الإعلان للترجمة الجديدة للكتاب أنّ هذه الترجمة تذلّلُ كثيراً من الصعوبات المفاهيمية المرتبطة بفهم إدوارد سعيد ومقاربته لموضوعة الاستشراق ودراسات مابعد الكولونيالية بعامة ، وهنا أتساءلُ : هل تستحقُّ بعض التوضيحات المطلوبة من جانب المترجم ( سواء جاءت كهامش أسفل المتن ، أم جاءت كمسرد تعريفي إضافي للكتاب ) إعادة ترجمته ؟ ولماذا كلُّ هذا التسفيه لجهود الآخرين ؟ ألانستطيعُ أن نكبر بأفعالنا من غير تهشيم سوانا ؟ ألم يكن من الأجدى ترجمة كتاب ( جوزيف كونراد ورواية السيرة الذاتية ) الذي أصدره الراحل عام 1966 وبقي غير مترجم حتى اليوم ؟

كل كاتب أصيل له بصمته ، وبصمة إدوارد سعيد لاأظنُّ أنّ بوسع مترجم عربي مجاراتها من غير الوقوع في ( مطبات هوائية ) مشتبكة ، وربما كانت مذكراته المترجمة ( خارج المكان ) مصداقاً على ماأقول .

ليس من السياسة الترجمية الناجحة أن نغضّ الطرف عن ملايين الكتب الجديدة في شتى الحقول المعرفية المهمّة ، ثمّ نترجمُ كتاباً للمرة الرابعة حتى لو كان أحد كلاسيكيات المعرفة الممهورة بتوقيع الراحل الكبير إدوارد سعيد .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. عدي باش

    إعادة إصدار بعض الترجمات (المنقحة) يعود لحركة السوق (العرض و الطلب) ، و ليس لإغناء المعرفة بأفكار جديدة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram