ترجمة: عادل العامل(في الأساطير و الحكايات الخرافية، تتحول أشكال الشخصيات بصورة متكررة. فأراكين يُصبح عنكبوتاً. و ابنة ميداس تتحول إلى ذهب. و الضفدع ينط و يصير أميراً. و هذه القصص تخاطب انشغالاً إنسانياً مثابراً : فحيواتنا كما نعرف وقتية،
و عرضة لتغيير لا رحمة فيه. و هذا التغيير الذي لا رحمة فيه نجده متجلياً تماماً في (الفتاة ذات القدمين الزجاجيتين)، و هي الرواية الأولى المتخيَّلة بشكلٍ فنتازي لعلي شو Shaw. و القصة بسيطة كما يوحي بذلك العنوان : و هي أن عايدة Ida ماكليرد، بطلة القصة ، لها قدمان تتحولان إلى زجاج.)إن تحوّل عايدة Ida، و هو أكثر من كونه صورة مدهشة، يؤدي دور الأزمة المركزية للرواية. فهي تعود، في بحثها عن مفاتيح لظرفها، إلى مجموعة من الجزر الشمالية كانت قد زارتها ذات يوم. و هي تأمل في أن تحدد مكان ناسكٍ أخبرها بأنه كان قد رأى " أجساماً زجاجية ... مخفية في مياه المستنقع ". و لا يُبرز الخط الساحلي الشتائي لأرض القديسة هدى St.Hauda سوى " البحر المفعم بالإغواء ". و هناك في الداخل تقع " المستنقعات الكريهة الرائحة و الغابة المهزولة ". و السحب الاسمنتية اللون تسح مطراً يشبه " لحافاً من الصوف يصل ما بين الأرض و السماء ". هنا، في هذا المشهد الكئيب، تصادف عايدة المسمّى على نحوٍ ملائم ميداس كروك ــ و هو شاب محزون الفؤاد لتاريخه العائلي، يصفّ العالم من خلال عدسة كاميرا. و هو يحاول أن يصوّر شعاعاً من النور حين تُجفله عايدة. و رغم ــ أو ربما بسبب ــ جمالها العجيب، الموصوف بأنه " أحادي اللون " و " رمادي "، فإنها تأسر عقله. و يصيبه الفضول بشأن الجزمة الكبيرة التي تحتذيها. إن أرض القديسة هدى مستمدّة من غابات الحكايات الخرافية الأوروبية الشمالية. و هي تعجّ بالمنحدرات الشاهقة، و البُرك، و المستنقعات، و الأراضي الخالية في الغابات. و قد يستغرق الأمر أياماً للعثور على الأكواخ المخفية. و هناك يجول مخلوق في الغابة، محوّلاً الطيور و اليعاسيب إلى مهقاء (الأمهق كائن بشرته بيضاء و شعره أبيض وعيناه ورديتان) بنظرةٍ منه. و قنديل البحر يبعث نوراً " مثل غبار النجوم " حين تموت. و هناك قفص لطيورٍ بكماء يزيّن عزبةً منعزلة. و بالطبع، هناك الاعتلال الغامض الذي يحوّل الناس إلى زجاج. في الحكاية الخرافية النموذجية، تكون الشخصيات مسطحة و الوصف في أدناه. فالأميرة أميرة؛ و الساحرة ساحرة. هنا، نجد الشخصيات معقدة، مطّلعة من خلال الأحوال الشخصية التراجيدية. فميداس مشغول البال بانتحار أبيه. و ميداس الأكبر سناً كان لديه قلب من زجاج، و لم تكن تعرف أسرته بذلك. و قد ظلت فكرة الحب متوانيةً في عقله، لكنه لم يستطع أن يحس به أو يعطيه. لقد عاش ميداس الشاب و أمه في بيتٍ مفعم بالبرودة و القسوة. و يتعلم ميداس " التعالج، بالتصوير الفوتوغرافي "، لكن التعالج غير مساوٍ للتداوي. و هو، في إيماءة إلى أسطورة ميداس الأصلية، يتفجّع من أنه حين يلمس شخصاً ما، " يحس جسمه مثل الحديد ". و كل شخصية يقدمها شو تساعدنا على رؤية القصة في سياقها. و جميعها تعترف بأسرار تبدو أشبه بإشارات، لكنها لا تكشف عن الكثير في ما يتعلق بتحوّل عايدة. و هي، بدلاً من ذلك، تقودنا إلى غموض أكثر وجوديةً : لماذا يفشل الناس في العيش بشجاعة.إن الشكل الهجين للكتاب ــ حكاية خرافية، أسطورة، واقعية سايكولوجية و فنتازيا ــ أمر مؤثر. لكن تقديمات شو الأكثر إبهاجاً هي التفاصيل المفعمة بالحيوية التي يزود عمله بها لإحداث الواقع السحري من الأمور. فإحدى الشخصيات ترتفع بشكل ماشيةٍ فراشية مجنّحة ( أبقار طائرة بحجم الحشرة) عميقاً في الغابة. و كما يكتب شو ،" إن بعض الثيران الأكبر كانت لها قرون مقوسة و هي تطير و رؤوسها محنية للأسفل كأنها تهاجم مصارعي ثيران شيطانيين. و كانت الذيول الشبيهة بالخيوط تتدلّى خلفها في ريحٍ تنجم عن طيرانها ". و عندما تلمس عايدة واحدةًً للمرة الأولى، تشعر بخفقة القلب الضعيفة " مثل خفقة كتكوتٍ مفقوس حديثاً ". و هكذا تبدو مقبولةً ظاهرياً و فاتنةً هذه الأبقار الضئيلة الحجم، التي يلوح العالم الفعلي أقلَّ تسليةً من دونها. و يمكن قراءة الزجاج هنا كاستعارة لمرضٍ نهائي. فعايدة تكتشف في قدمها بلوراً يأخذ بالانتشار. ففي الأول " كانت هناك أهلّة متلألأة من الضوء على حافة كل ظفر من أظافر القدم ". و بعد ذلك، " راحت عظام المشط تتلاشى في أجزاء قدميها البلورية الواضحة ". و هي تستمع بفتور إلى أفكار يمكن أن تنقذها، بل و تزور معالج الطب البديل في الجزيرة. و حين تجد أخيراً الناسك الذي كان قد رأى أجساماً زجاجية، فإن مشورته تبدو أشبه بنصيحة تُعطى لمريض في حالته النهائية. مع هذا، تقاوم الرواية هذا التوازي البسيط. و كما يقول الناسك لميداس، " إن هذا ليس مرضاً. فالزجاج الآن جزء منها، إذا شئت. مثل أظافر الأصابع أو الشعر الذي على رأسها ". و بالرغم من أن عايدة تقر بخوفها بشكل متكر
"الفتاة ذات القدمين الزجاجيتين"..توظيف الأسطورة فـي إشكالات عصرنا الحديث
نشر في: 14 يونيو, 2010: 05:01 م