رعد العراقي
خسارة منتخب الناشئين في بطولة غرب آسيا أمام المنتخب السعودي بثلاثة أهداف لخّصت بشكل صريح وواضح أصل المُعضِلة التي تمرّ بها كرة القدم العراقية وعكست بتناغم غير مسبوق المستوى الفنّي الذي ظهر عليه المنتخب الوطني في الآونة الأخيرة وتقبّله الهزائم وبالثلاثة أيضاً.
ليست تلك مصادفة، وإنما هي حصاد لما زرعناه سابقاً من أسلوب فني عقيم وتنشِئة خاطئة لجيل كروي تلاعبت به أهواء الكوادر التدريبيّة واجتهادات إدارية وقصر نظر في التخطيط.
لنراجع ما تطرّقنا اليه بشيء من التفصيل ونستعرض هذا الملف الشائك، فمشكلة المنتخب الوطني تتمثّل بضُعف أداء لاعبيه وافتقاد أغلبهم الى أسس فنيّة وبدنيّة صحيحة، مع ضُعف كبير بالجانب الفكري والنفسي وهي عوامل يتفق الجميع على أنها لا يمكن أن تمنح أو تصقل في مراحل عمريّة متقدّمة، وإنما يجري تلقينها وزرعها منذ الصغر بمناهج علميّة وجرعات تدريبيّة خاصّة من قبل كوادر تدريبيّة متخصّصة لديها القدرة على التعامل مع تلك الفئات بطريقة التربية والتعليم.
ولأن هذا الجانب المهمّ والحسّاس لم تقف عنده كل الاتحادات السابقة بعد أن أصرّت بشكل غريب على اسناد مهمّة قيادة المنتخبات السنيّة الى مدرّبين لا يمتلكون الخبرة والدراية، بل واعتبرت تلك الفئات محطّة تعلّم وتدريب واكتساب خبرة للكوادر التدريبيّة، وليس العكس سبّبت في لجوء الكثير من تلك الكوادر الى محاولة إثبات قدرتها عبر استقطاب لاعبين بأعمار كبيرة والتغاضي عن التلاعب بالأوراق الثبوتية لهم وتحقيق نتائج خارجيّة تتستّر على ضُعف فكرهم التدريبي وتمنحهم صكّ التميّز والشهرة على حساب إعداد لاعبين وفقاً لأسس فنيّة متطوّرة يكون نتاجه بالتأكيد قصر عمر اللاعب في الملاعب ومحدوديّة قدرته الفنية سواء مع الأندية أو المنتخب الوطني وهو ما سبّب تذبذب المستوى العام ودخوله دوّامة الصعود والهبوط في الأداء الفني حتى مع أشهر المدرّبين العالميين.
وبرغم موجة الغضب والمطالبة الكبيرة من قبل الجماهير في القضاء على آفة التزوير للفئات العمرية، إلاّ أن المشكلة لا تبدو في طريقها الى الحل بعد تغافل الاتحاد عن جانب أكثر أهمية حين وضع جهوده باتجاه ضمان عدم التلاعب بالأعمار بينما سقط في فخ (تأسيس) اللاعب بشكل متطوّر وعلمي وأعتمد على ذات الكوادر التدريبية المحليّة من دون أن تكون هناك دراسة وتحليل لمستوى الأداء والإعداد النفسي والمهاري والتكتيك الخططي داخل الملعب وهو ما ظهر جليّاً بمستوى أداء منتخب الناشئين في بطولة غرب آسيا برغم أن الكادر التدريبي استلم المهمّة قبل حوالي سنتين، لكنه عجز عن بناء منتخب يمتلك الشخصية والأسلوب الصحيح في الأداء وينسحب الحال أيضاً على منتخب الشباب برغم احرازه لقب غرب آسيا إلا أن تذبذب مستواه وغياب الجانب التكتيكي وكثرة الأخطاء في التمرير والاعتماد على اللعب الطويل المملّ والاعتراض المستمرّ على الحكم والانفعال غير المبرّر لا يبعث على الاطمئنان أو الثبات مستقبلاً أمام منتخبات آسيا الكبيرة تلك الحقائق لا نريدها أن تختفي وراء ذريعة التقيد بالأعمار الصحيحة للاعبين، وبالتالي تغطّي على ضُعف خبرة القيادة الفنيّة لتلك الفئات.
باختصار.. بتلك الصورة القاتمة فإن الكرة العراقيّة ستخسر مرّتين، فلا ألقاب قادمة على مستوى الأعمار السنيّة ولا خلق أجيال ترفد المنتخبات الوطنيّة وحتى الأندية بمواصفات متكاملة فنيّاً وبدنيّاً ونفسيّاً، والحل يكمن في الذهاب بكل الجهود نحو اتجاهين الأول تأسيس نهج جديد باختيار أحد المدارس العالميّة وتأمين كوادر تدريبيّة أجنبيّة عالية المستوى والخبرة في تشكيل وقيادة منتخبات الفئات العمرية، والثاني الاستفادة من تلك الكوادر في فتح دورات تطويريّة للمدرّبين المحلّيين الراغبين بتدريب فرق الأعمار السنيّة الصغيرة، وبخلافه سيبقى مستقبل الكرة العراقية والمنتخب الوطني تتقاذفه أمواج الفشل والخيبات سواء كان تحت قيادة مدرّب عالمي أم محلّي!