عبدالله السكوتي وهذه كناية عن البليد التائه الفكر، والكناية قديمة وقد قيل لمستعمل الحشيشة مسطول، والسطل في لغة بني ساسان، وهم المتسولون هو المتعامي الذي يتخذ من التعامي حجة لاستدرار العطف عند الاستجداء، وكان ساسان شيخ المتسولين واستاذهم وواضع طريقتهم،
وسماه الحريري في مقاماته الاستاذ، وهو الذي قال لاحد المتسولين: الا ادلك على شجرة الخلد وملك لايبلى؟ قال بلى، قال: التسول ؛ وجاء في كتاب المحاسن والمساوىء ان الجاحظ قال: سمعت شيخا من المتسولين وقد التقى بشاب منهم قريب العهد بالصناعة، فسأله الشيخ عن حاله، فقال: لعن الله التسول، ولعن اصحابه وياله من صناعة ما اخسها، انها ماعلمت تخلق الوجه وتضع من الرجال وهل رأيت متسولا افلح، قال فرأيت الشيخ قد غضب، والتفت اليه فقال ياهذا اقلل الكلام فقد اكثرت، ان للتسول رجالا او ما علمت ان الكدية صنعة شريفة، صاحبها في نعيم لا ينفد، فهو على بريد الدنيا ومساحة الارض وخليفة ذي القرنين الذي بلغ المغرب والمشرق، يسير حيث يشاء يأخذ اطايب كل بلدة، اما والله لقد رأيتني وقد دخلت بعض بلدان الجبل، ووقفت في مسجدها الاعظم وعلي فوطة قد ائتزرت بها وتعممت بحبل من ليف وبيدي عكاز وقد اجتمع الي الناس كاني الحجاج بن يوسف على منبره، وانا اقول ياقوم: رجل من اهل الشام من ابناء الغزاة والمرابطين من ابناء الركاضة وحراس الاسلام غزوت مع والدي اربع عشرة غزوة، سبعا في البحر وسبعا في البر واخذت اعدد اسماء من غزوت معهم، ثم عرفت الناس باسمي وقد سامني الدهر فاستجرت بكم، فوالله ما اتممت كلامي حتى انهالت علي الدراهم، فوثب اليه الشاب وقبل عينيه وقال: انت والله معلم الخير، وعدد الجاحظ اصنافا من المتسولين منهم المتعامي والعواء وهو الذي يسأل بين المغرب والعشاء، والقرسي وهو الذي يعصب ساقه والكاغاني، الذي يدعي الجنون، والمزيدي الذي يدور ومعه دراهم ويقول هذه دراهم قد جمعت لي لشراء قطيفة فزيدوني وربما احتمل صبيا يؤجره، وهناك اصناف اخرى ليس من الضرورة ذكرها، ولكن مع سوء الحال وانتشار الفاقة فهناك من اتخذ التسول مهنة يذرع الشوارع ويقف عند الاشارات الضوئية شيوخ ونساء واطفال ومعاقون، حتى اصبح المنظر يبعث على الاشمئزاز، وخصوصا في السنين الاخيرة، طبعا الحكومة لاتفعل شيئا ازاء ذلك، على اعتبار ان هذه المسألة من صميم الفكر الاسلامي والا كيف يحصل العبد على حسناته اذا اختفت هذه المظاهر، ويحكى ان عليا بن ابي طالب (عليه السلام) وجد متسولا في خلافته فغاضه ذلك كثيرا، وفتح بيت المال واستفسر عنه فقال يهودي ولا يعطيني الاسلام شيئا فسجله في دفاتر المسلمين واجرى له ما أجرى لهم.المقرف في الامر ان منظرا بشعا يواجهك ؛ شاب بايد مقطوعة او شيخ بارجل مقطوعة على كرسي متحرك يطلب المساعدة، ونحن نمتلك وزارة متخصصة بهذا الشأن، فاين هي من كل هذا، لقد صارت مهنة التسول خصوصا للذين لايمتلكون عوقا، مهنة رابحة لقد سمعت احداهن بأذني وفي الساعة العاشرة صباحا تقول لقد جمعت من بغداد الجديدة 250 الفاً وانا ذاهبة الى الباب الشرقي لاكمل المبلغ، لقد صارت لهم مناطق يعرفون بها وعمارات يسكنون بها، ولا ادري متى تأخذ الدولة مسؤوليتها تجاه هؤلاء لتخلص المجتمع من مرض قديم قد تفشى لديه، وهذا المرض يعطي انطباعا سيئا للشعب ودولته، واول ما يسأل المسافر عند عودته من بلد من البلدان عن المتسولين، عندها يحكم السائل عن تطور تلك البلاد وتخلفها، لانريد لهذا المرض ان يستشري اكثر وعلينا معالجته كما نعالج الامراض الاخرى، ومع اني لايمكن ان ارى بغداد خالية من اثنين ؛هما المتسولون والسكارى، الذين يتمرغون بوحل الارصفة، هؤلاء سمة ثابتة من سمات بغداد، وعلامة فارقة من علاماتها المتعددة.
هواء فـي شبك ..(ســطــل)
نشر في: 14 يونيو, 2010: 10:48 م