عمـار سـاطع
بعيداً عن الخوض في تفاصيل الجوانب الفنية والمستويات العالية التي ظهرت بها بطولة كأس العرب لكرة القدم العاشرة الجارية في دولة قطر، حيث أداء المنتخبات وظهور جيل جديد من اللاعبين وبزوغ نجوم لأسماء عديدة ومواهب ستشقّ طريقها في المستقبل القريب،
فضلاً عن حالة تطوّر الفكر التدريبي لدى بعض المدرّبين، فإن النسخة الحالية تفوّقت بشكلِ أو بآخر من حيث التغطية الإعلامية والاهتمام غير المسبوق بالحدث العربي الكروي الأبرز، عبر إعادة هيبة الصحافة المكتوبة الى الواجهة من خلال الاعتراف بأهمية التوثيق الورقي، في زمن طغت فيه اللغة الرقميّة على كافة العناوين!
مواكبة التطوّر التكنولوجي وتفوق السوشيال ميديا ومواقع التواصل والصفحات الإلكترونية، لم تمنع ظهور مانشيتات ومواضيع شتى ومواد دسمة يبحث عنها القرّاء ونُقلت للمتابعين والمهتمّين صورة فعليّة عن حقيقة ما تعرّضت له الصحافة الرياضية من استنزاف بسبب التطوّر التقني خلال الأعوام الماضية، بل إن ما حدث كان أشبه بتوقف اجباري للصحف الرياضية نتيجة قلّة الاهتمام ومحاولة القفز على الحقيقة، بمقابل ما سجّلته شبكة المعلومات الدولية من أضرار جسيمة للورقة والقلم، بسبب سوء التقديرات تجاه السلطة الرابعة من قبل المولعين بالتغيير والباحثين عن موطئ قدم لهم فيما يُعرف بالصحافة الإلكترونية!
ومهما بالغت في الوصف الذي يتعلّق بما حدث للصحافة الورقيّة، فإن النتيجة ستكون شاملة للجميع وفي كل بقعة من بقاع الأرض، لأن الصحافة الورقيّة ذُبِحَت بسكين أعمى منذ عشرة أعوام، وأصبحت وكأنّها كانت إسقاط فرض على المولعين برائحة ورق الصحف أو أولئك الذين أُجبروا على القراءة لغياب الخيارات وتوقّف الفرص المتاحة لهم، أمام الهجمة الكاسحة التي فرضتها لغة الاصفار على العالم بأسرهِ، قبل أن يصبح العالم أسيراً أمام جيل يرتبط ارتباطاً وثيقاً مع الشاشات وأجهزة النقّال والتقنيّات التي استخدمت لربط مجتمعات بأكملها بما تنشره يتداولها الأغلبية!
وحينما نُعرّج على مثل هكذا أمر يرتبط بشكل وثيق مع المجتمع، فإن هناك من كان يحاول جاهداً من أجل إعادة هيبة الصحافة المكتوبة إلى حالتها الطبيعية متحدّياً بإرادته وصلابته الانهيار الذي أوقف المطبوعات لسنوات، ونال من جرفها لبعضٍ من الوقت، وأسهم في إيذاء جيلين من القرّاء، وأخذ من ملكتهم الكلاميّة بعد أن اعتاد على التطبيقات ومحرّكات البحث من دون أن تكون لديهم القدرة على مناقشة من أتى بالمعلوماتيّة الرقمية وترك الكتابة الورقة وإهمال مقالات النقد وأعمدة الرأي وحوارات النجوم والتقارير الحديثة واخبار السبق الصحفي وتحقيقات كانت تكشف الحقائق وتقلب الأحداث!
لقد تحقق اعجاز استعانة بطولة تاريخيّة استثنائيّة بحجم ومكانة كأس العرب في دولة قطر، عبر الاهتمام بعيداً عن التنافس ولغة المخاطبة قبل الموازنة وعنصر الاستثناء في العرض أكثر من المديح والرياء.. فظهر رصيد الصحافة المكتوبة بشكل يوازي مطبوعات أجنبية عالميّة تصدر في دول أوروبا مثل انكلترا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا والمانيا ويتفوّق أيضاً على تلك التي تكون حاضرة في البطولات العالمية وتقفز على مؤسّسات تسخّر جهودها وامكانياتها من أجل مقال قصير أو حتى عنوان مثير أو خبطة تصريح وعمل حوار!
أيها الإخوة.. إن عودة الصحافة المكتوبة عبر مطبوع يومي من 24 صفحة مواكب لأحداث بطولة العرب، باسم صحيفة (سوبر1) يدخل في مفكرة التوثيق التأريخي المهم أو يكون ضمن أجندة التعاطي مع الواقع الذي فرضته الظروف وقتله مضامين الدعم والتخصيصات ويتلاشى مع قلّة الاهتمام من قبل دور النشر الرصينة، أصبح أشبه بعبرةٍ فريدةٍ من نوعها، عبر التحدّي الفعلي الذي قاده رأي وتصميم على أن تكون صحيفة مُحترفة بتقنيّات بسيطة ومضمون متجدّد وأسلوب رصين ورأي سديد وتنوّع غير مسبوق ومحتوى يجلب النظر وتحليل فريد من نوعه واحصائيّات وأرقام للمهتمّين بها وعرض لأبرز التفاصيل وأدقّ الاحداث بعيداً عن أسلوب الإثارة أو لغة التسقيط، فضلاً عن الإخراج العالي المستوى، كلّها كانت ضمن شعار "الصحافة الورقيّة، تمرض ولا تموت" وهو ما أكده بعض من الصحفيين العرب الذين يؤمنون بأنّ الصحافة هي الأساس الفعلي للمعلوماتيّة، وأنّها الملاذ الآمن للشعوب التي تَفهم وتُقيّم القراءة بمنظور ثقافي ومهني ملتزم بالمبادئ الفعليّة للصحافة!