TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > اوراق..في عالم التكنولوجيا والعولمة:هل تبقى للكتب سطوتها؟

اوراق..في عالم التكنولوجيا والعولمة:هل تبقى للكتب سطوتها؟

نشر في: 15 يونيو, 2010: 04:54 م

محمود عبد الوهاب في محاضرتها التي ألقتها في مهرجان "غارديان هي" دافعت نادين غورديمير الفائزة بجائزة " نوبل" والشخصية الأدبية المعروفة بنضالها ضدّ التمييز العنصري ، في جنوب أفريقيا ، دافعت "بقوة عن الكتاب المطبوع إزاء الهجوم الضاري من التكنولوجيا" قائلة :
 " لا شيء يعوّض الكتاب ، وسوف يكون ثمة حرمان وخطر كبير إذا ما اختفى الكتاب وحلّ مكانه شيء يحوي على بطارية " ،  وعن الهاتف الخلوي وتكنولوجيا الكومبيوتر ، قالت ضمن محاضرتها " لا أتكلم عن هذا بطريقة غبيّة ، هذه الأشياء مدهشة بسبب انتشار المعلومات ، لكن بالنسبة للشعر والرواية والقصص التي تحتوي على الخيال في أعماقها ، فلا يوجد بديل للكتاب"  ترجمة : نجاح الجبيلي .  موقف غورديمير من التحولات العميقة ، يختلف  نوعاً  و احترازاً عمّا سبقته من مواقف أثيرت عند كل منعطف عميق أحدث اصطداماً وتداخلاً وشرخاً في مرآة الحياة التي ألفها معاصروها ، فقد نعى الشعراء الرومانسيون وكتّاب تلك الحقبة على حياة  ما بعد الثورة الصناعية في فرنسا وأوربا التي استبدلت ، في رأيهم ، ضجيج المكائن والآلات والخراب ،  بنعومة الحياة ورخائها وسلاستها ، في حين أثنت غورديمير ، في محاضرتها بدهشة على سرعة نشر المعلومة في تكنولوجيا الكومبيوتر ، واستثنت من ذلك ، الشعر والرواية والقصص التي تعتمد الخيال ، ومنحت تلك الأجناس الإبداعية موقعاً استثنائياً لما تتطلبه قراءة تلك النصوص من طقس تأملي خاص بها، ما تزال غورديمير وكثير منّـا يعيش على وفق تقاليده وألفته ، حتى أولئك الذين يبدون تعلّقاً وغراماً بجهاز الكومبيوتر ، فإن معظمهم يعمل على استنساخ تلك النصوص بعد نقلها ، من الكومبيوتر إلى الورق ،  لينفرد بقراءتها في جوّه الخاص ، ولا يُخفي عدد من قرّاء الكومبيوتر أيضاً متاعبه في أثناء قراءتهم النصوص، وهي على الشاشة . وقد تناول الكاتب الفرنسي جورج دوهاميل ، في العقد الثالث من القرن الماضي  مثل هذه التحولات حينما وصف جهاز " الراديو"  بـ " صندوق الضوضاء " الذي لا جدوى معرفية ، في نظره ، من الاستماع إليه ، فالمعرفة تتأتّى من الكتاب الذي بإمكانك إنْ لم تستوعب مقروءه ، أنْ تعيد قراءة الصفحة أو الأسطر حتى تستوفي دلالة ما يعرضه عليك ، على غير ما يبثه " الراديو"  في لحظة السماع  ، إذ ربما يفوتك وضوح عبارته واستحالة إعادة سماعها ، فما يقوله المذياع من كلام يأتي شفاهياً ومتدفّقاً ، وقد لا يمكن للمستمع إدراك معانيه في لحظة بثّها . إن اعتراض دوهاميل هذا يمثّل  صورة لمقاومة الجديد من وسائل الثقافة في تلك الحقبة .  إن التحولات في عالم الثورة المعلوماتية القائمة الآن هي من أشد التحولات عمقاً في جوانب كثيرة من الحياة المعاصرة ثقافياً وسياسياً واجتماعياً ، إنها عتَبة الصيرورة والتغيّر إذ يفقد الإنسان المعاصر ألفته وقدرته على فهم ما حوله  . وقد عبّر بورخس عن تلك الحالة على لسان إحدى شخصياته وهي تدخل المتاهة : " مَنْ أكون ؟ ذاتي اليوم ، الحائرة ، إنسان الأمس المنسيّ ، إنسان الغد الذي لا يمكن توقعه ! أمثلة تتساوى كلّها في الإبهام " .  شملت التحوّلات العميقة كثيراً من وسائل الثقافة المعاصرة كالكتاب والسينما والمسرح وغيرها ، وكان الكتاب مثلاً أحد الوسائل المهمة في نشر الثقافة والعلوم وكان لحَرفِه المطبوع سطوتُُُُُُُُُُه، يذكر ماركيز أنه لما ظهرت قصته الأولى في الجريدة ، اختبأ في حجرته وبدأ يقرأ بقلب جامح ونفَس واحد متصل ، وكان يكتشف في كل سطر " القدرة الساحقة للكلمة المطبوعة"  غير أن صورة الكتاب الإبداعي الذي حرصت غورديمير عليه في محاضرتها ، وأثنى عليه دوهاميل وماركيز وغيرهم من كبار الأدباء والمثقفين ، مهدّد بهذه التحولات منذ الثلث الأخير من القرن الماضي ، سعياً وراء إنتــاج ثقافة جديدة بطرائق جديدة وعلى وفق مفهوم جديد في عالم التـــكنولوجيا ، حتى اتخذت تلك الطرائق عنواناًً لكتاب " الصناعات الإبداعية " من تحرير جون هارتلي وترجمة بدر السيد سليمان الرفاعي ، يعرض فيه الوسائل والبيئات الجديدة التي تنتج هذه الثقافة بممارسات ومشروعات ثقافية إذ تنبثق رؤية في جذوة متقدة تؤكد أن الإبداع هو الذي سيقود التغيير الاجتماعي والاقتصادي خلال القرن المقبل . ولعلّ ما ذكره  د. جون توملينسون في كتابه " العولمة والثقافة " ترجمة: د. إيهاب عبد الرحيم محمد ، من تحولات في بنية المجتمعات المتقدمة ، في قوله "  أنْ يعيش الشخص في مكان لا يوجد به هاتف هو كثيراً ما يفهم على أنه إهانة  ضمنية للأصدقاء والأقارب وزملاء العمل " دليل على كيفية تبوّء القيم الاجتماعية الجديدة بتأثير التكنولوجيا في المجتمعات المتقدمة التي أصبحت التكنولوجيا فيها جزءاً من حياتها اليومية . وهكذا نجد أن الكتاب لمّا يزل يخضع للتحولات في مادة صنعه، ابتداءً من كتاب جدر

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

البرلمان يتوعد بـ10 استجوابات: ستمضي دون عراقيل

انتحاريون على أبواب حلب.. ماذا يجري في سوريا؟

الدفاع التركية تقتل 13 "عمالياً" شمالي العراق

مجلس ديالى يفجر مفاجأة: ثلاثة اضعاف سرقة القرن بالمحافظة "لم يُعلن عنه"

الشرطة العراقي يغادر إلى الدوحة لملاقاة بيرسبوليس الإيراني في دوري أبطال آسيا

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram