الكتاب/ يجب تدمير قرطاجة تأليف/ ريتشارد مايلزترجمة / هاجر العاني عندما يتفكر أغلب الناس في قرطاجة فإنهم يتصورون (هنيبعل) وفيله او (ديدو) الملكة الانتحارية وهي تلعن حبيبها الخؤون (اينياس)، ولكن وكما كان يعلم كل تلميذ فـإن قرطاجة لا مفر لها من الحروب القرطاجية – صراعها الذي استمر (100) عام مع روما (246-146 ق م)،
ويقول (ريتشارد مايلز) ان كل قصصنا تقريباً عن هذه الإمبراطورية الشمال افريقية التي كانت عظيمة فيما مضى تأتينا من خلال مصفاة رومانية متحيزة، اذ لم تسنح الفرصة لقرطاجة لسرد حكايتها – فقد فــُـقـِـدَت مكتبتها بسبب جيرانها النوميديين، ولكن بالاعتماد على مصادر آثارية يساعد (مايلز) في ملء الفراغات بهذا الكتاب عميق التفكير وشديد التدقيق في التفاصيل، وكانت قرطاجة أكثر تطوراً مما نسبه اليها التاريخ ولم يكن شعبها بالطبع أكثر إثارة للحرب من جيرانها الاقليميين.وكان القرطاجيون الاوائل فينيقيين من الساحل اللبناني كانوا قد بسطوا هيمنتهم على تجارة البحر المتوسط في العصر ما قبل الكلاسيكي مانحين العالم قروضاً مقابل فائدة وتأميناً بحرياً وأبجدية، لكن قرطاجة سرعان ما كانت ستبز الوطن الام، واذ انها مقامة على ميناء طبيعي وسط ارض زراعية فقد غدت قرطاجة مدينة مزدهرة وأمسى مواطنوها أسياد البحر المتوسط في القرن الرابع، واذ كان التمويل يأتي للقرطاجيين من مناجم الفضة العديدة في طرطيسيا (الاندلس) فقد كانوا يمثلون الصدارة في الإنتاج البحري – مخترعين السفن الخماسية وهي اقوى السفن المقاتلة في ذلك العصر، وقد تم بناء بعضها بحيث ان كل جزء يكون مختوماً بحرف لاجل سهولة تجميعها مؤذنين بولادة (ايكيا) بعد (24) قرناً.ولكن بحلول القرن الثالث ق.م كانت روما في ارتقاء وهي تنم عن تعطش شره تقريباً الى إخضاع بلاد اخرى.. الإمبراطوريات المنجرفة إلى الحرب القرطاجية " بدرجة اقل لأسباب تخص الستراتيجية وبدرجة اكبر بسبب الافتقار إلى الإرادة السياسية لإيقاف تلك الحروب "، وقد جاءت لعنة روما بهيئة (هنيبعل) وهو جنرال متحجر القلب وجسور، فعند رحيله عن اسبانيا عام (218ق.م) مع (000 50) من جنده حاول (هنيبعل) القيام بما لا يخطر على بال وهو غزو ايطاليا براً زاحفاً عبر إسبانيا وفرنسا وجبال الالب غير المطروقة والمكسوة بالثلوج ملتقياً برجال القبائل العدائيين عند كل منعطف.ويقول (مايلز) بأنه متهور ربما إلا إن أي مسار آخر كان ليصبح غاية في الخطورة اذ كان الرومان يتمتعون بالسيادة في البحر وليس القرطاجيين، ولكن الحظ القرطاجي كان سينفد، وما ان غزا الجنرال الروماني (سيبيو "افريكانوس" -236-183 ق.م: جنرال روماني يعرف بـ "سيبيو الارشد") اسبانيا غزواً ناجحاً حتى اضطر (هنيبعل) الى ان يجرب براعته مبكراً جداً. اما غزوه روما فقد كان اخفاقاً وقد انسحب إلى كالامبريا حيث مكث هناك في السنوات القليلة التالية "وهو يعيش كأمير صغير هيليني هيليني وصف لحياة الإغريق بعد الاسكندر الأكبر محاطاً بأضغاث أحلامه الايطالية".وعقب حصار استمر سنتين على قرطاجة في الحرب القرطاجية الثالثة أضرم (سيبيو ايميليانوس – 185-129ق.م: جنرال وقنصل روماني حفيد سيبيو الارشد يعرف بـ "سيبيو الاصغر" النيران في المدينة وطافت فرق الموت الخاصة به الشوارع لستة ايام بلياليها وهم يذبحون الرجال والنساء والأطفال الذين نجوا من جحيم الحريق مع فرق تتناوب على الوصول بالفعالية الى حدها الأقصى، وعندما استسلمت المدينة في آخر الأمر عام 146 ق.م كان وسطها قد سوي بالأرض وخضع (000 50) مواطن مصاب الى الرق وما كانت قرطاجة لتنهض من جديد.وجد (برتولت بريخت – 1898-1956: شاعر وكاتب مسرحي ألماني قال بأن المسرح وسيلة للتعلم لا للتسلية في قرطاجة استعارة للغطرسة الألمانية فيقول:"قادت قرطاجة العظيمة ثلاث حروب. بعد الحرب الأولى كانت قوية وبعد الثانية كان لا يزال العيش فيها ممكناً. أما بعد الثالثة فلم يعد من الممكن العثور عليها"، ولحسن الحظ لقد وجد (مايلز) اكثر مما يكفي منها في هذه القراءة.كتاب (خارج السهب) لـ (دانييل ميتكالف) صدر عن دار هاتشنسون.
بزوغ وأفول حضارة سحيقة القدم
نشر في: 15 يونيو, 2010: 06:16 م