جلال حسن يـبدو أن الكلام الخاص في مكان عام بين مجموعة من الأشخاص الغرباء الذين تجمعهم غاية الوصول الى محطة تفرقهم بعد النزول مباشرة ، مدعاة لمعرفة ردود فعل الحديث وأسبابه ، ومعرفة طريقة فهم نبض الشارع المحلي ، وما ينتاب الناس من معاناة وتصورات وحلول،
بل هو يعكس الحالة العامة ، والأفعال المتباينة ، وجميعها لا يبتعد عن الهمّ اليومي للمواطن ، وما يعانيه في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وتتمثل في نقص الخدمات العامة والروتين والتذمر الواضح من السيطرات والازدحامات وفوضى عوارض الشوارع .كل الأحاديث داخل سيارة (الكيا) يسبقها تأفــّــفٌ وتذمّر من هموم عامة ، ويشعلها أول متحدث في أي موضوع عام ، فـتحشر الأنوف من خلال التصاق الركاب مع بعضهم ، وأحيانا لا تضاهيها برامج مشهورة مثل "الاتجاه المعاكس" و"الرأي الآخر" و"نقطة حوار" و"بالعراقي" و"ساعة حرة" ، ولا تحتاج نقاشات الكيا إلا إلى كاميرا لتكون منبرا جماهيريا يبحث في أمور البلاد والعباد .الغريب أن كل الآراء التي تناقش على مسافة الطريق لا يتم الاتفاق عليها نهائيا، بل تبقى عالقة من دون اتفاق على ذمة السائق الذي لا يتدخل أبدا. السائق الذي لا يهمه غير جمع ثمن الأجرة ، ولا يشارك في الحوارات الساخنة لأنه على ما يبدو يضجر من هذه السجالات المتكررة يوميا وفي كل جولة .فسّر بعض السوّاق ما يجري يوميا داخل سيارته بأنه عبارة عن ثرثرة فارغة وجعجعة تثير المشاكل ، وليس فيها أي بعد سياسي، واصفا ذلك بعملية تفريغ بعد يوم متعب ، وقال آخر: إن بعض النقاشات يصل الى المشادّات الكلامية وأحيانا الى السباب ، ويتحول الحديث الى خطب حماسية ، ومنبرية يفوز بها من كان صوته عاليا و"ملعلع"، سائق آخر قال: علينا أن نحترم الصمت في الأماكن العامة لأنه محسوب بوقت قصير ودلالة على احترام المكان ، وكل ما يدور من نقاشات عبارة عن إثارة مشاكل بسبب أمور تافهة ليس للركاب فيها رأي او قرار .بعض العقلاء من الركاب يحاولون حين يشتد السجال بالانفعال الذي يؤشر أن الأمور ستصل الى ما لا تحمد عقباه ، هؤلاء العقلاء يطلبون من السائق وعلى وجه السرعة أن يرفع صوت ( الراديو) ، والويل للسائق إذا أسمعهم أغنية فيها موسيقى عذبة او أغنية عاطفية .أذواق ومزاجات وآراء ، لا يحتويها سقف الكيا وهي تلصق الأجساد ببعضها على كراس ٍ ضيقة وفي طريق مزدحم ، ربما تكون ضريبة للذين لا يملكون سيارة خاصة ، او الذين لا يتدخلون في المناقشات العقيمة ، او الذين تعبوا من الحوارات الطويلة . ولكن تبقى هناك حكمة شاخصة وهي " يا غريب كن أديب" و"لسانك حصانك" .rnjalalhasaan@yahoo.com
كلام ابيض ..أحاديــث عابرة
نشر في: 15 يونيو, 2010: 07:52 م