فؤاد العبوديكتب الكثير عن رائد الاغنية الريفية حضيري ابو عزيز..فقد كان استثنائيا في ادائه الرائع لما امتلكه من حنجرة جعلته احد الاصوات الغنائية التي اوصلت الاغنية العراقية الريفية الى كل اذاعات العالم حيث كانت تبث اغانيه من على اثير القسم العربي للاذاعة البريطانية
بينما حفلت منتديات بغداد الغنائية بحضور هذا المطرب الذي كان متفردا كما هو حال ناصر حكيم وداخل حسن وجبار ونيسة ومسعود العمارتلي ومن بعدهم عبد الصاحب شراد وعبد الجبار الدراجي ونسيم عودة لكن الحديث عن تلك الاغاني المشهورة لحضيري ابو عزيز والتي شاعت في حينه امثال (عمي يبياع الورد) و(رسمك اريده اريده رسمك) اقول الحديث عن ذلك لاينفي التطرق الى عدد من الاغاني التي ظهرت بين ثنايا ارشيفه الغنائي لكنها لم تأخذ حصتها او مساحتها من الذيوع على الرغم من حلاوتها ورقة كلماتها وبساطتها عندما كانت (تناغي) الواقع الاجتماعي انذاك..فهناك مثلا اغنية (احنه بنات البلد) التي كان يصور فيها غنائيا اعجوبة شيوع الكهرباء في ذلك الزمن البعيد بعد ان غادرت المدن تلك (الفوانيس) المعلقة على ابواب الازقة والتي كان يقوم بملئها شخص يطلق عليه بـ(النفطجي)...فيغني مطربنا الراحل حضيري ابو عزيز على لسان بنات المدينة وبفخر ليشدو:احنه بنات البلد والكهربا عدنهياريفي لا تبتلي ولا توصل لحدنههذه الاغنية التي تصور واقع حال المدينة حين وصلت الكهرباء وتم الاستغناء عن الفوانيس النفطية واعتقد كما وصل الى سمعي انها من تلحين صالح الكويتي الفنان الذي كان يعيش في البصرة واعد ولحن العديد من الاغاني لعدد من المطربين والاغنية المذكورة متوفرة عند باعة او مقتني الاسطوانات وقد سمعتها شخصيا عندما كنا نرتاد مقهى ( ابو سعد) في منطقة الميدان ببغداد ومعي الشاعر عبد اللطيف الراشد والكاتب جمال حافظ واعي وغيرهما ..وهي اغنية جميلة ضمن جملة من الاغاني للمطربين القدامى الذين ذكرتهم سلفا...وللتأكيد على ان الفنان صالح الكويتي كما اظن هو من لحن هذه الاغنية وسواها هي اغنية اخرى يناشد فيها حضيري ابو عزيز صاحبه الكويتي باغنيته التي تقول كلماتها:دموع عيني تهل مثل النهر جاريياصالح كويتي جر الكمنجة عدلشو ياروحي ونيتيوليس عجيبا في اغاني اولئك الرواد ان كلماتها كانت تحمل امثالا وحكما عراقية شعبية تؤخذ حين تقال للربط بين الحدث وصاحبه وتعطي للسامع نكهة عراقية فحواها ان تاريخنا الشعبي يزخر بجوهره الفكري على الرغم من شعبيته انطلاقا من ان الامثال الشعبية تمثل تاريخ الشعوب وعليه فان خلاصة كل اغنية ريفية كانت بمثابة (المجس) الذي يرصد الظواهر ان كان منها السلبية او تلك الايجابية.ولعل الشعر الشعبي العراقي (الرصين) كان يمثل احد اركان الاغاني الشعبية الناجحة واعني بالرصين هنا هو الذي يترفع عن ذكر المساوئ او النيل من الاخرين وبخاصة المرأة التي يبدو ان بعض الشعراء الشعبيين الغنائيين منهم قد باعوا انفسهم وراحوا يسيئون للمرأة وهي الام والزوجة والحبيبة لكن (الاستهتار الغنائي) الحالي لبعض من الذين يسمون بالمطربين ليس سوى (اساءة) بالغة بالغناء العراقي وبمسيرته لقد كان الشاعر الغنائي وبالتحديد في الستينيات يختار ما يميز الاغنية ويعالج موضوعات مطروحة حتى تجلى ذهب مفردات الاغنية الشعبية العراقية على يد شعراء حاولوا ان يكونوا بمستوى الذوق الصافي النابع من ضمير يخشى الاساءة لاحد.ولان حضيري ابو عزيز ورهط المغنين من مجايليه كانت كلمات اغانيهم بسيطة لكنها زخرت بعمق المعنى الشاعري وان كل اغنية ليست فقط لهذا الرائد الغنائي بل لعدد اخر من المطربين تحكي قصة منتقاة بكلمات انيقة خذ مثلا الفنان الراحل المغني عبد الصاحب شراد الذي كان صوته يتمتع بحلاوة قل نظيرها حيث غنى ماشنف اسماع الذائقة العراقية واغنيته (تطلع شمس) ربما لم تكن اجمل اغانيه لان كل ماغناه كان جميلا بحسب النقاد وكان كل مطرب من هؤلاء الرواد يتميز صوته باسلوبه المعروف تقول كلمات الاغنية:تطلع شمس وتغيب وعيني اعله دربك كلبي حنين اعليك ومو مثل كلبكوتمعن انت عزيز القارئ بالمطلع حيث ليس فيه شتما او قذفا بل عتاب للحبيب...او اغنيته المأخوذة كلماتها من الهاجس الشعبي العراقي الذي يخشى حينما يرف جفن عينيه..فتقول الاغنية للمطرب ذاته:ها يعيني اشضامتليليش ما يبطل رفيفجحتى جاء الشعراء الغنائيون الافذاذ وهم لم يطرحوا انفسهم او يبيعوها بثمن رخيص بل كانت مفردات قصائدهم هي التي تؤكد حضورها اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان البعض منهم ليس شاعرا غنائيا بل ان قصائده كانت مهيأة لكي تصبح اغنية على شفاه المطربين ومن هؤلاء الشعراء الافذاذ مظفر النواب الذي اخذ عن شعره الكثير وكذلك عريان السيد خلف وناظم السماوي وابو سرحان والغزي وحسن الخزاعي وكريم العراقي وكريم راضي العماري وكاظم السعدي وجودت التميمي وليعذرني الاخرون الذين لهـم مكانة فـي القلب قبل الذائقـة من شعراء لـم تحضرني اسماؤهـم.لقد ذكرني المطرب الرائد حضيري ابو عزيز ومجايلوه من المطربين بما نسمعه الان من كلمات كيف ارتضى الذين كتبوها ان يسجلوا اسماءهم تحتها وهي كلمات يندى لها جبين الانسان من الخجل والاستحياء عند سماعها..
الكهرباء وأغنيات حضيري أبو عزيز
نشر في: 16 يونيو, 2010: 04:25 م