ان تاريخ الغناء الريفي طويل ومتشعب برز في فتراته مطربون مشهورون، اثبتوا جدارة ووضعوا ركائز لأطوار الغناء الريفي المتعددة. ويكاد يكون المطرب، المرحوم حضيري ابو عزيز من بين الاوائل من هؤلاء لقد كان المطرب حضيري في مجال غنائه وقابليته في الاداء وتطوره متفاعلاً مع تطور الزمن مجسداً الحدث مهما اختلفت أو تباعدت اغراضه.
وكانت لهذه الصفات الفنية اهمية كبرى في حياة مطرب عاش اسخن الاحداث في تاريخ العراق وعانى شتى مضاعفات الحياة ومهما احتوته من افراح واحزان. ونشأ ريفياً وعاش عاملاً وتفاعل مع الشعراء والادباء والمطربين حتى برز بينهم علما من اعلام الغناء الريفي له تأثيراته، هذه التأثيرات التي اصبحت جديرة بالتوثيق ومن المعروف تاريخياً ان مدينة الناصرية وريفها الجميل ومنذ القدم لها الاثر في ظهور كثير من المواهب في اغلب مجالات الحياة وان الادب باشكاله قد تجسد فيها شعراً وفنا وغناءً خصوصا ما انسحب على التراث الشعبي وفي مقدمته نظم وغناء الابوذية بأطوارها المتعددة حتى ان اول من نظم فيها هو الشاعر المعروف حسين العبادي قبل ما يزيد على قرنين من السنين.اما الفترة التي برز فيها حضيري ابو عزيز فتكاد تكون العصر الذهبي لظهور الاغنية الريفية وذلك لتزاحم المطربين الريفيين وتهيئة الاجواء الكافية التي جعلت هذا استعداداً لبروز هؤلاء الفنانين والذين كان في مقدمتهم الشاعر المغني الملا جادر ذو الصوت الشجي والقابلية الفنية العالية الذي لعب دورا مهما في حياة اغلب الفنانين الريفيين لكنه كان ذا علاقة اوسع مع المطرب الشاب الناشئ حضيري انذاك والذي امتاز بنبرات صوتية ونفس طويل وقابلية للحفظ واخلاق حسنة فوجد الملا جادر في هذا الشاب ضالته واخذ ينمي قابليته ويدفعه لتسلق سلم الشهرة بعد ان وجده مؤهلاً تمام التأهيل لذلك.. فبعد ان كان حضيري يقتنص الفرصة متخفياً للاستماع للملا جادر وهو يغني في مقهى صالح النجار اصبح، وبعد فترة قصيرة الى جانب ملا جادر ينافسه في فنه وقد كان الجمهور يشجع ويحب الاستماع الى حضيري باعتباره صوتا جديدا مميزا.. شابا يخرج دائماً بقابليته الفنية عن الاطوار ثم يعود اليها وقد زادها جمالاً وروعة واضاف عليها.. وليس هذا الا نوع من انواع التجديد الفني والابداع فيه حيث لايتمكن الملا جادر نفسه من سلوكه ، ولقد بلغت العلاقة بين الملا جادر من القوة حتى اصبحا لايفترقان في كل حفلة الى ان توفي الملا جادر عام 1934.. وكانت لهذه العلاقة الفنية اعظم الاثر في صقل وتنمية مواهب المطرب الريفي حضيري ابو عزيز والتي اعترف بها مرات عديدة في اكثر من لقاء ، ومن الامور التي استفاد منها حضيري ابو عزيز من علاقته مع الملا جادر هو علاقته مع الشعراء في منطقة النجف، والكوفة والحلة والفرات الأوسط لما لهذه المناطق من مكانة ادبية وفنية واجتماعية، فكان لقاؤه مع اشهر الشعراء الشعبيين انذاك امثال الشاعر الشيخ علي البازي والشاعر ابراهيم ابو شبع والملا حميد السداوي ومن ثم توطيد العلاقة مع الشاعر المعروف الملا منفي الذي يكاد ذا يكون الشخص الثاني الذي اثر في حياة المطرب حضيري ابو عزيز، وبقى على هذه العلاقات مع كبار الشعراء من الناصرية والنجف حتى عام 1945 حيث توطدت علاقته مع الشاعر المعروف صاحب عبيد الحلي الذي نظم له بعض الابيات من الشعر والتي غناها المطرب الكبير حضيري ابو عزيز على طريقته الخاصة باغنيته المشهورة "حميد" وبعد هذا التاريخ اخذ في غالب الاحيان ينظم لنفسه ما يتوارد به خاطره من شعر ولكن في الغالب كان يعتمد على الشاعر السيد جبوري النجار. اما من حيث الحقيقة فأن قابلية حضيري الفنية وامكانياته الصوتية فكانتا العنصر الاساسي في التفاف الجمهور حوله وانتشار شهرته ولم يكن للشعر تأثير كبير بقدر التأثير الاول لأن المطرب حضيري ابو عزيز تربى في بيئة شعرية ونشأ نشأة ثقافية بحكم مصاحبته لأكثر من اقطاب الشعر الشعبي والذين ذكرناهم ، فضلا عما يمتلكه هو من حس فني ووجدان انساني مكنه من ان يترجم هذه الاحاسيس غناء وكلاما يعشقه الجمهور ويرتاح له فاستفاد منه المطرب في تربيته ونشأته الاولى واخذ يستفيد منه الكثير لترجمته في اغانيه الجميلة.rnعن كتاب حضيري ابو عزيز الصادر في دائرة الفنون الموسيقية عام 1986
حضيري والمطربون المشهورون
نشر في: 16 يونيو, 2010: 04:32 م