علاء المفرجي
صدر عن دار رشم كتابا حديثا للناقد والمترجم أمين صالح.. عن الفنان النمساوي مايكل هانيكه، ويتضمن مجموعة من الحوارات مع هانيكه.
وفي حواراته هذه طيرح هانيكة الكثير من الاراء حول نشأته وتجربته السينمائية، وايضا عن الأدب والمسرح والموسيقى.
وتناول في أعماله موضوعات مقلقة واستفزازية، من خلالها وجه نقدا حادا لعناصر الميديا (التلفزيون، الفيديو، السينما) في علاقتها بمظاهر معينة في الواقع الأوربي الحديث: العنف، العزلة، الاستلاب، المحن الفردية والاجتماعية.
الفنان النمساوي مايكل هانيكه مهما اختلفت الآراء حول أعماله وموضوعاته وأساليبه، يظل مخرجاً سينمائياً فذّاً واستثنائياً في عالم السينما اليوم. عبر أعماله الجادة والملفتة، استطاع هانيكه أن يكرّس حضوره كواحد من أهم وأبرز المخرجين المعاصرين في السينما العالمية، وأكثرهم إثارة للخلاف والجدل.
أحرز شهرة عالمية واسعة مع فوز فيلمه The Piano Teacher بجائزة أفضل مخرج في مهرجان كان 2001.. إذ حتى ذلك الوقت، ظلت أعماله – رغم أهميتها وجدّتها – بعيدة عن الانتشار الذي تستحقه بجدارة.
منذ مراهقته أظهر عشقاً للمسرح والموسيقى والأدب. وكان طموحه أن يصبح عازف، بيانو يقول:.”في مرحلة الشباب، كان حلمي أن أصبح موسيقياً. لو كان الأمر بيدي، لو كنت موهوباً في هذا المجال، لوددت أن أكون موسيقياً وليس مخرجاً. كنت أحب أن أصير مؤلفاً موسيقياً أو قائداً لفرقة موسيقية. زوج أمي كان موسيقياً وقائداً للأوركسترا، وقد لاحظ ضعف موهبتي كعازف بيانو. ملاحظته جعلتني أستبعد فكرة أن أصير موسيقياً. مع ذلك، لم أفقد عشقي للموسيقى».
إن إدراكه المبكر لافتقاره إلى الموهبة جعلته يختار دراسة الدراما في الكلية، لكنه تخلى عن ذلك بعد نصف السنة الدراسية، ليتحول إلى دراسة الفلسفة.. “كنت أعتقد أن هيجل سوف يفسّر لي العالم، لكنني فهمت أن الأمر ليس كذلك.”
المجال الفني الآخر الذي كان موضع ولع هانيكه هو المسرح.. يقول هانيكه: “الشيء الآخر الذي تعلمته أثناء وجودي في بادن – بادن هو الإخراج. تجاربي الأولى كانت في المسرح المحلي. كنت على علاقة عاطفية مع ممثلة منتسبة إلى المسرح. المدينة في تلك الفترة كانت في حالة ركود ثقافي. الممثلون كانوا عاديين في أفضل الأحوال، واحتجت إلى فترة طويلة كي اكتشف كيفية النفاذ إليهم واستنباط أداء معقول منهم. الإخراج والتعامل مع الناس مسألة تعتمد على التجربة، وقد تعلمت ذلك بطريقة شاقة في تلك المدينة.”
كتب هانيكه وأخرج عدداً من المسرحيات التي عرضت على مسارح برلين وميونيخ وفيينا في بداية السبعينيات من القرن الماضي. قبل أن يعمل مؤلفاً ثم مخرجاً في التلفزيون منذ العام 1973.
أثناء عمله في المسرح، استعان بوالده كممثل في عمل يخرجه.. “كان التعاون بيننا مثمراً وممتعاً. كان أبي ذا حضور قوي في الأدوار الكلاسيكية”. عن عمله في مجال الأفلام التلفزيونية، يقول هانيكه: “عندما بدأت أحقق أفلاماً تلفزيونية، كان من الممكن تنفيذ نوع من الأعمال مختلف عما كان سائداً وقتذاك. كان ممكناً تحقيق أعمال جادة. أغلب أفلامي التلفزيونية كانت معدّة عن أعمال أدبية. تلك كانت الإمكانية الوحيدة لاستخدام ذلك الوسط على نحو جاد. لقد أتاح لي التلفزيون أن أطوّر وسائلي كمخرج سينمائي. الطريقة الوحيدة التي تستطيع تعلّمها لكي تصبح مخرجاً سينمائياً هي بصنع الأفلام، وهذا ما فعلته. العمل في التلفزيون ساعدني في تعلّم المهنة. كذلك ساعدني عملي في المسرح لعشرين سنة. إذن كلا المظهريْن ساعداني في اختبار مهاراتي وفي تعلّم الحرفة. لكن أيديولوجياً، أعتقد أن عملي التلفزيوني لم يساهم إلا قليلاً في إضاءة عملي في السينما.
يتذكر هانيكه افتتانه بالسينما وهو طفل، في الرابعة من عمره، حيث كان يرافق جدّته لحضور الأفلام في الصالات.
عندما بلغ الخامسة، أرسلته أمه إلى الدنمرك، مع مجموعة من الأطفال، ضمن اتفاقية تبادل أجريت بعد الحرب. أمضى هناك ثلاثة شهور من التعاسة “كانت التجربة الشاقة الوحيدة في طفولتي، وعندما عدت، خاصمت والديّ ولم أتحدث إليهما مدة أسبوعين”.
لكن من رحلته إلى الدنمارك يتذكر دهشته عندما أخذوه إلى صالة سينما وهناك.. “شاهدنا فيلماً يدور في أفريقيا حيث الجِمال والنخيل. كنت مأسوراً بالفيلم إلى حد أنه عندما انتهى، وأضاءت الأنوار الصالة، وخرجنا من الأبواب المفتوحة، تفاجأنا بالجو البارد وتساقط الثلج في مساء كوبنهاجن.. ولحظتها لم أستطع أن أفهم ما يحدث.. كيف انتقلنا بهذه السرعة من أفريقيا إلى كوبنهاجن».