فريدة النقاشلم يكن الصراع العربي الإسرائيلي صراعا بين ديانتين إسلامية ويهودية، بل كان ولا يزال صراعا بين مشروعين أحدهما مشروع تحرر وطني ضد الاحتلال والعنصرية والآخر مشروع استعمار استيطاني اغتصب أرض شعب فلسطين باسم دعاوى دينية توارتية لم تنطل على أحد لأن طبيعته كمشروع استعماري إحلالي كانت ظاهرة منذ اللحظة الأولى،
ولم تكن مصادفة أن ارتبط مشروع إنشاء إسرائيل بالقوى الاستعمارية السائدة في المراحل المختلفة منذ نشأته واستمراره، فجاء في البدء تحت جناح الاستعمار البريطاني للامبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس ، وحين غربت الشمس عنها احتمى بالاستعمار الأمريكي، وما يزال.وفي كفاح الشعب الفلسطيني ضد المشروع الاستعماري الصهيوني الذي تحول إلي دولة مدججة بالسلاح النووي، وقف يهود كثيرون من إسرائيل نفسها ومن كل أنحاء العالم مع حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، بل استشهدت الفتاة الأمريكية اليهودية ذات الثلاثة والعشرين ربيعا «راشيل كوري» عام 2003 تحت جرافة إسرائيلية في رفح حاولت الفتاة أن تمنعها - بجسدها - من هدم بيت فلسطيني ، وكتبت رسائل لأسرتها تتساءل فيها كيف يسمح العالم لنفسه أن يصمت أمام كل هذه البشاعة.ولبى المفكر اليهودي الأمريكي عالم اللغويات «نعوم تشومسكي» دعوة من جامعة فلسطين لإلقاء محاضرات فيها هو الذي يدين إسرائيل بأقسى العبارات ويساند حقوق الشعب الفلسطيني، ولكن السلطات الإسرائيلية منعته من العبور إلي الضفة الغربية، فنظم محاضرته من عمان عبر الفيديو كونفرانس ليشاهدها آلاف الفلسطينيين مجددا إدانته لإسرائيل. وسبق «لتشومسكي» أن وضع دراسات علمية بالاشتراك مع المفكر الفلسطيني الراحل «إدوارد سعيد» حول مستقبل فلسطين وضرورة التعايش بين الإسرائيليين والفلسطينيين على أسس عادلة بعد إنهاء الاحتلال والاعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين.وأنشأ الموسيقار الإسرائيلي من أصل أرجنتيني «دانيل بارنياوم» بالاشتراك مع إدوارد سعيد أيضا ديوان الشرق والغرب، وهو فرقة موسيقية من الإسرائيليين والفلسطينيين كرمز لإمكانية التعايش وقال بدوره «إن الاحتلال يجعلني أتقيأ» وساند كفاح الفلسطينيين بكل قوة ومنحته منظمة التحرير الفلسطينية جواز سفر فلسيطينيا تقديرا لدوره.وهناك عشرات بل مئات من المحامين الإسرائيليين اليهود الذين ترافعوا في محاكم إسرائيل دفاعا عن الفلسطينيين الأسرى والمعتقلين والشهداء ، إضافة لهؤلاء المتضامنين الذين يجازفون بحياتهم حين ينضمون إلى الفلسطينيين دفاعا عن أراضيهم وزراعاتهم ضد الجرافات الإسرائيلية وضد العدوان المتواصل لجيش الدفاع.منذ زمن طويل حرص الرئيس الراحل «جمال عبد الناصر» على التفريق بين الفاشية الإسرائيلية الحاكمة التي تغذيها مصالح استعمارية كبرى من جهة والشعب الإسرائيلي من جهة أخرى والقول بأن نتائج التصويت في الانتخابات الإسرائيلية تنتصر لليمين مردود عليه بأن موضوع الأغلبية والأقلية في السياسة ليس معيارا للحكم في قضايا العلاقات الإنسانية، ولذا ينبغي علينا أن نضع قول عبد الناصر في الاعتبار ونحن نفحص هذا الحكم الخطير الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري بإحالة طلب اسقاط الجنسية عن المصريين المتزوجين من إسرائيليات إلي رئاسة الوزراء للبت في كل حالة على حدة مع العلم أنه لا يوجد نص قانوني يتيح إسقاط الجنسية عن هؤلاء المصريين، فضلا عن أن في الحكم تجاوزا من المحكمة في قبول الدعوى من شخص لا صفة ولا مصلحة له، أي أنها قضية «حسبة» لا يجوز لشخص أن يقدمها وإنما النيابة وحدها هي المختصة بتحريكها وهو ما لم يحدث في إجراءات هذه الدعوى المريبة.أما فكرة الإضرار بالأمن القومي فتبقى متهافتة لأن هذا الإضرار يمكن أن يأتي من أي شخص بصرف النظر عن جنسيته والمفروض أن يقظة الجهات التي تحمي هذا الأمن مفروغ منها ولن يعلمها أحد كيف تقوم بواجباتها.إن التلاعب بالجنسية في موضوع هو من صميم الحقوق الشخصية للمواطنين يشكل تهديدا خطيرا للقيم والمفاهيم المدنية ولحقوق الإنسان والحريات العامة. فالزواج شأن شخصي لابد من احترامه ، ونحن مدعوون أيضاً لأن نتفهم دوافع هؤلاء الرجال الذين طردهم وطنهم بحثا عن رزق وعن استقرار فذهبوا حتى إلى إسرائيل بعد أن مات بعضهم في قوارب الهجرة بحثا عن ملاذ وحين استقر بعضهم في إسرائيل فتزوجوا أخذ البعض يدعون البطولة ويكافحون ضد هؤلاء المصريين البسطاء ، وكأنهم يكافحون ضد الصهيونية بدلا من أن يعملوا بجد من أجل مجتمع يتيح لابنائه العمل والاستقرار ولا يطردهم خارجه وصولا لإسرائيل ذاتها.كان نقيب الصحفيين الراحل «كامل زهيري» يتحدث بفخر عن عضوية نقابة الصحفيين باعتبارها مثل الجنسية لا يستطيع أحد انتزاعها أو إسقاطها ، وها قد جاء الزمن الرديء الذي يجعل التلاعب بجنسية المصريين أمراً سهلاً.. وعلى كل القوى الديمقراطية أن تقف ضد إجراءات من هذا النوع تفتح باب جهنم.
التلاعب بالجنسية
نشر في: 16 يونيو, 2010: 04:51 م