د. فالح الحمـراني
يودع العراقيون عاما آخرا بمشاعر الاحباط، وإنهيار تطلعاتهم المشروعة لبناء العراق الذي كانوا يأملون به بعد انهيار الديكتاورية، عراق ديمقرطي وعادل، تتعامل فيه الدول على أساس المساوات مع كافة مكونات المجتمع والقوى السياسية، ولن تكون جزء من العملية السياسية، بل تركز على إدارتها.
ولا تبعث خصائص الوضع الذي تشكل في البلاد في نهاية عام 2021، على عقد الأمل بتجاوز الأزمة المستفحلة التي تنهش أركان ومؤسسات الدولة، ولم تتجادل القوى والأحزاب التي تمسك بقرار الدولة على سبل انقاذ البلد، وتوجهات برامج إصلاحية اجتماعية واقتصادية وسياسية لاخراج البلد من الازمات المستدامة، بل على توزيع المناصب الأكثر التي تعود بحصة أكبر من المال وترسخ النفوذ، والأنشغال في القضايا الثانوية على حساب قضايا البلد المصيرية.
استمر الوضع العسكري السياسي في العراق عشية عام 2022 الجديد معقدا. و على الاغلب سيتم ترحيل للعام القادم الأزمة المزمنة، والمنهجية التي يعيشها البلد . وسوف تستمر التناقضات بين القوى السياسية الرئيسية إزاء العديد من القضايا الأساسية للسياسة الداخلية والخارجية، قائمة. وستخيم على البلاد تداعيات النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في 10 أكتوبر، والتي اكتسبت منحى تناحريا في " البيت الشيعي" عقب نشرت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية في 30 تشرين الثاني. ورفضت الأحزاب الشيعية التي هُزمت في الانتخابات ، تلك النتائج وطالبت بمراجعة نتائج التصويت. كما عكرت محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الأجواء في البلاد والتي يربطها الكثيرون بموجة من الاشتباكات الدموية في وسط بغداد بين مسؤولين أمنيين وأنصار أحزاب ومنظمات احتجاجا على نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة. وإلى أن هناك قوى معروفة في غير راضية عن الإصلاحات الديمقراطية الجارية ومحاربة الفساد في البلاد.. علاوة على ذلك لم تظهر افاق تفاؤل لتحسين الوضع الصعب في الاقتصاد الوطني وعلى وفق كافة المؤشرات سيظل العراق في العام يعاني العراق من أزمة عميقة في جميع أنظمة دعم الحياة. وسيواصل النقص الحاد في المياه والكهرباء في البلاد. والملاحظ ان الأشهر الماضية شهدت انخفاضا ملموسا عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا COVID-. ومن دون شك ستواصل داعش أنشطتها الأجرامية الإرهابية في العام القادم، في مختلف مناطق البلاد. وستستمر العديد من القضايا العالقة في تعقيد العلاقات بين الحكومة الفيدرالية في بغداد وقيادة إقليم كردستان العراق.
ويودع العراق عام 2021 المنتهي على قرع قنابل العدوان التركي و انتهاكه لحرمة أجواء وأراضي البلد، فقد واصلت القوات المسلحة التركية في الاشهر الأخيرة عملياتها العسكرية في شمال العراق ضد قوات حزب العمال الكردستاني .
وينتهي العام وتشكيلات الجيش والميليشيات العراقية، وبدعم من طيران التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة ، تواصل قصف ملاجئ ومعاقل إرهابيي داعش في مختلف أنحاء البلاد وضربها. وعلى الرغم من ان القوات الحكومية تقوم بشكل منتظم بعمليات عسكرية وخاصة لمكافحة الإرهاب في مناطق مختلفة من العراق من أجل تحديد والقضاء على الإرهابيين في مخابئهم، فإن الإجراءات العسكرية وإجراءات مكافحة الإرهاب ضد مقاتلي داعش، كقاعدة عامة، هي عمليات صغيرة الحجم، نظرًا لإنخفاض عدد تشكيلات قطاع الطرق الارهابيين. ويجري البحث بنشاط عن الإرهابيين وقادتهم ومخازن الأسلحة والذخائر والمعدات والمواد الغذائية واحتجازهم.
وعلى وفق المراقبين العسكرين سيواصل داعش يشكل تهديدًا خطيراً لقوات الأمن وسكان البلد. وتنفيذ عمليات إرهابية في مناطق عديدة من البلاد، وخاصة في المناطق بين بغداد وأربيل كما يستمر الارهابيون بشن هجمات على منتسبي الجيش العراقي ومسؤولي صيانة القانون والميليشيات الموالية للحكومة ، ونظموا هجمات ضد المدنيين ، واختطفوا أشخاصًا ودمروا البنية التحتية. ويرى مراقبون أن داعش "تسعى جاهدة لاستخدام الوضع الاقتصادي لإعادة تأسيس وجود أو محاولة إعادة تأسيس وجود في المناطق الأكثر تضررا من الانكماش الاقتصادي." وبحسب الخبراء ، فإن الخلايا النائمة "لا تزال لديها أنصار بين السكان ويمكنها حشد قواتها بعد انسحاب الولايات المتحدة وحلفائها". ، وقام مقاتلو داعش في الآونة الأخيرة بتغيير تكتيكاتهم، حيث نفذوا هجمات مستهدفة واختطاف الناس وزرع الألغام في الطرق. وبالتالي ، فإن التوترات المستمرة وعدم الاستقرار السياسي المتزايد في العراق سيوفران لداعش أرضًا خصبة للتجنيد والهجمات الجديدة والتوسع.
ونفذت القوات الأمنية العراقية ، الشهر الماضي ، سلسلة عمليات اعتقلت على إثرها عناصر وأنصار التنظيم الإرهابي. على سبيل المثال، في 2 تشرين الثاني تمكنت القوات الأمنية من اعتقال 10 من أعضاء داعش خلال عمليات منفصلة في محافظات بغداد وديالى والأنبار. واعتقلت القوات الأمنية العراقية 4 من مقاتلي داعش خلال عملية في محافظة ديالى في 5 تشرين الثاني في 6 تشرين الثاني، ألقت وحدات من جهاز مكافحة الإرهاب العراقي القبض على 6 إرهابيين في عمليات متفرقة في محافظات بغداد وصلاح الدين والأنبار وديالى.
وبشكل عام يغادر العراق المنتهي وهو بحاجة ماسة الى تعزيز القدرات الأمنية. فحسسب تقديراء تقديرات الخبراء أن تقدم العمليات العسكرية والخاصة ضد مسلحي داعش ، تظهر إن القدرة القتالية للقوات المسلحة العراقية للجيش والمليشيات الشيعية والبيشمركة لا تزال، وعلى الرغم من التقدم الملحوظ، ليست في المستوى المطلوب، مما يجعل اؤلئك الخبراء " يتشككون في استعداد العراق مواجهة التهديد الداخلي بنفسه".
وفي هذا السياق كان مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع الأمريكية قدر نشر في 5 تشرين الثاني الماضي، "تقريره الأكثر انتقادا" لقوات الأمن العراقية حتى الآن. ويغطي التقرير الفترة من يونيو إلى سبتمبر 2021. ويشير إلى انتشار الفساد في قوات الأمن وضعف المستوى القيادي. بالإضافة إلى ذلك ، "تقوض فعالية الهيئة الفرعية للتنفيذ من خلال الانتقام الشخصي ، فضلاً عن الخلافات بين وحدات الهيئة الفرعية للتنفيذ ووزارة الدفاع ووزارة الشؤون الداخلية".
وظهرت مع نهاية العام مؤشرات على تفعيل العلاقات العراقية / الروسية حيث ناقش الممثل الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وإفريقيا ، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف في نهاية تشرين الثاني في بغداد مع القيادة العراقية "مهام زيادة تعزيز النطاق الكامل للعلاقات الودية التقليدية بين روسيا والعراق ، بما في ذلك الحفاظ على حوار سياسي نشط وتعزيز التعاون متبادل المنفعة في قطاع الوقود والطاقة. والمجالات العسكرية التقنية ". وفي هذا السياق ، أعرب الجانب الروسي عن أمله في إيجاد حلول لجميع القضايا الناشئة على الأجندة الوطنية في إطار حوار شامل يهدف بالدرجة الأولى إلى تشكيل حكومة عراقية جديدة في وقت مبكر على أساس توازن المصالح المشروعة لجميع الأطراف و القوى السياسية والجماعات العرقية والطائفية في البلاد ". الأساسية للقانون الدولي وأحكام ميثاق الأمم المتحدة ". وأكد بوجدانوف دعوة الرئيس فلاديمر بوتين لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لزيارة موسكو. " ومن خلال تبادل متعمق لوجهات النظر حول القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك ، تم التركيز على مهام مواصلة الكفاح الفعال ضد الإرهاب الدولي. ، وكذلك حل الأزمات وحالات الصراع في الشرق الأوسط ، بما في ذلك في سوريا. ولبنان، وفي منطقة الخليج العربي وفي الأراضي الفلسطينية.