علي حسين
أصبح القتل سهلاً، وعادياً جداً، ويمكن لأي عسكري يحمل سلاحاً أن يصدر حكماً بقتل أي مواطن، مطمئناً من أنه يحمل تراخيص رسمية بالقتل.
في كل جريمة ترتكب ضد مواطن ، تخرج القوات الأمنية بسلسلة من البيانات المتناقضة، واحد يقول إننا طاردنا تاجراً للمخدرات، وآخر يكتشف أن تاجر المخدرات تحول إلى إرهابي، وثالث يشكو من جبروت هذا "المتهم" الذي قرر أن يقتل عائلته ولم يستثن منهم رضيعاً يبلغ عمره سبعة أيام، الجميع ينظر إلى الشعب باعتباره خارجاً على القانون وتجب تربيته وإعادته إلى الحظيرة، ينبغي ضربهم وقتلهم من أجل أن لايتطاولوا على أسيادهم، هذا هو المنهج الذي تسير عليه قوات الأمن التي شاهدنا كيف كانت باسلة وهمامة وهي تتصدى للمتظاهرين، فيما نراها منكمشة وخائفة في مواجهة عصابات الجريمة المنظمة والسراق.
أياً كان من يقف خلف "مجزرة جبلة"، فإن العقاب يجب أن يكون سريعاً وحاسماً. سنسمع الكثير من التبريرات، وسيجد البعض قصصاً مشوقة يسلي بها الجمهور، بل ربما يذهب الخيال ببعض المسؤولين إلى اتهام جهات أجنبية بتدبير حادث القتل، إلا أن الجميع يجب أن يدرك بأن ما جرى إنما هو استهداف لدولة المواطنة والمؤسسات التي صدعوا رؤوسنا بها.
أراد الجناة أن يقولوا لكل عراقي إنه في مرمى نيرانهم، وإن بإمكانهم النيل منه متى شاؤوا، أرادوا أن يستخفّوا بما تردده أجهزة الدولة عن حمايتها للمواطنين، وليثبتوا بالدليل القاطع أن هناك قوى لديها سلطة ونفوذ أكبر من سلطة القانون والدولة.
ماجرى في بابل علامة تنذرنا بسقوط دولة القانون، الجميع داسوا القانون بأقدامهم ، لقد جرى كل شيء بمعزل عن القانون، وإذا كان تجرؤ مواطن على سلطة القانون أمراً خطيراً، فإن الأكثر خطورة أن أجهزة أمنية قررت أن تُغيب القانون وتستحضر روح القطيع.
ماحدث من مجزرة يجب أن ينبهنا إلى عدة أمور خطيرة، أهمها أن القوات الأمنية تحولت من جهة مهمتها حماية المواطنين والسهر على أمنهم.. إلى جهة تسعى لتنفيذ مخطط مرسوم بدقة وعناية للدفاع ولو بالسلاح عن كل مصالح شخصية ونزعات عشائرية .
ولهذا ستظل المجزرة التي جرت في أحداث بابل ، نقطة سوداء في ثوب الدولة العراقية، وستبقى وصمة عار تلاحق كل من يتواطأ بالصمت ويتلوث بتقديم المبررات والمسوغات لمرتكبيها.
ما لم تقم الحكومة ومعها القضاء برد اعتبار الذين قتلوا، فإنهم سيظلون أقرب إلى دولة الاستبداد، منهم إلى دولة العدالة الاجتماعية والحرية كما حلم بها العراقيون.
ستنتهي السطور التي تكتب عما جرى في الحلة.. لكن سيبقى سؤال واحد: كيف تنسى لضابط في الأجهزة الأمنية أن يصدر أوامر بإبادة عائلة بأكملها؟
أعتقد أن العراق كله يجب أن يبحث عن الإجابة الصحيحة.