اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > قباني وهوس الحرائق..رؤية نفسية

قباني وهوس الحرائق..رؤية نفسية

نشر في: 18 يونيو, 2010: 04:06 م

شوقي يوسف بهنام إذا كنا في محاولة سابقة (1 ) قد سلطنا شيئا من الضوء على بعض الخفايا النفسية لدى الشاعر نزار قباني ، فإننا في هذه المحاولة سنمضي في ذات الطريق ونكشف المزيد من تلك الخفايا التي كان الشاعر يعاني منها إذا جاز لنا قول ذلك . وما يشجعنا من أن نتناول في هذه المحاولة ، فيما يراه الأطباء والمحللون النفسانيون بشأن ظاهرة هوس الحرائق أو الرغبة الجامحة في إشعالها والتلذذ بالنظر إليها والذي يطلق عليه Pyromania هو علاقته بالفيتيشية .
 وهو اضطراب جنسي كنا قد وجدنا جذوره لدى شاعرنا .وسنقف عند الوصف الذي قدمه الحفني في موسوعته الخاصة بعلم النفس والتحليل النفسي . حيث يقول عنه ( نزوع لا يقاوم الى إشعال الحرائق ، ويصاب به الذكور أكثر من الإناث ، سواء بين البالغين أو الأطفال . ووجد كومب "1964 " إن الأعراض تظهر عادة في سن السادسة ، وقد تستمر حتى الرشد ، وكل الأطفال المصابين به ينحدرون من بيوت منهارة ، سلبوا العطف ، منبذون ، تنقلوا من بيت إلى بيت أو تربوا في الملاجئ ، وكثير منهم اقل من المتوسط ذكاء ، قد مارسوا أنواع السلوك المنحرف ، تاريخهم مليء بالهروب من البيت والمدرسة وبالسرقة وينتشر بينهم الإصابة بالتبول الليلي . وترى البعض إن هوس الإحراق انحراف جنسي يرتبط بالفيتيشة ، ودوافعه الأساسية هي الإ شباع  الجنسي . ( 2 ) . ويرى ( أوتو فينخل ) وهو من الشارحين الكبار لنظريات التحليل النفسي : إن الولع بالنار وإشعال الحرائق ( البيرومانيا) ظاهرة مقترنة بالهياج الجنسي ، حيث يقول ( أن الهياج الجنسي عند رؤية النار ظاهرة عادية عند الأطفال . وليس من اليسير تفسيرها .ويكشف التحليل عن فاعلية الحفزات السادية ، التي تستهدف تدمير الموضوع ، وعن فاعلية اللذة الجلدية بتأثير دفء النار . ولكن بالإضافة إلى ذلك ، فثمة شئ أكثر نوعية فيما يتصل بالهياج الجنسي الذي تثيره النار . فبصورة منتظمة نلتقي بعلاقة تستقر عميقة مع الشبقية البولية . وقد اتخذ ( فرويد ) من ذلك منطلقا لافتراض تأملي عن اصل الاستخدام الثقافي للنار . فبنفس الطريقة التي توجد بها انحرافات كوبروفيلية تقوم على الشبقية البولية ، فكذلك ايضا يمكن أن تنشأ انحرافات تقوم على مشتق الشبقية البولية ، التلذذ بالنار ؛ فاللذة في إشعال النار ( في الواقع أو الخيال ) يمكن ان تصبح الشرط الذي لا غنى عنه للاستمتاع الجنسي . ففي انحراف إشعال الحرائق ، تحكم الحفزات السادية الشديدة الحياة الجنسية ، وتعمل القوة التدميرية للنار كرمز لشدة الحفزة الجنسية . فالمرضى يعجون بالحفزات الانتقامية ، هذه التي تدين بشكلها الخاص لتثبيتها على الشبقية البولية . وكما هو الحال في الأعصبة الاندفاعية الأخرى فإن الهدف النمطي لهذه العدوانية هو إكراه الموضوع على تقديم الحب أو الرعاية اللذين يحتاجهما ، نرجسيا ، المريض . (3 ) . ويعد فينخل من أفضل من قدموا شروحات عن نظرية التحليل النفسي ، ولذلك فأن هذا التعريف الذي قدمه هذا الشارح يعتبر وجهة نظر التحليل النفسي . و لا يتسع المجال للخوض في تفاصيل هذا النمط السلوكي على ضوء النظريات اللاحقة لمدرسة فرويد . والذي يتابع تاريخ تطور هذا التيار سيلاحظ ان مقولة ( جاك لاكان ) ؛ المحلل النفسي الفرنسي والتي اعلنها منذ بداية منتصف القرن الماضي والقائلة ( العودة إلى فرويد ) ما زالت بهذا القدر من الفعالية والأهمية للعاملين في مجال التحليل النفسي ، تنظيرا وممارسة . وهذا يعني ان التحليل النفسي لا يزال ، وبجدارة ، يتبوأ مكانة متميزة على عرش مدارس علم النفس ، لاسيما في مجال ديناميات الشخصية ومجال الأمراض النفسية والعقلية معا . و لا يخرج ( غاستون باشلار ) عن هذا التصور في كتابه " التحليل النفسي للنار " إذ يحلل النار على انه مثقلة بالرمزية الجنسية . إذ الانتصار على النار هو انتصار جنسي .. فالرجال الأول انتجوا النار بحك قطعتين من الخشب الجاف .. الاحتكاك تجربة أضيفت عليها الصفة الجنسية بقوة .. (4 ) وقد درس ( ج . ب . بايارد ) المصابين بهوس الاحتراق ويستنتج هذا الباحث أن للنار معنى عميقا ، متعلقا بالروح البشرية ، روح الحياة المتطهرة ، أي الحياة الروحانية ، وكذلك هي رمزيتها ، وفق منظور هذا الدارس ، في الأساطير والفلكلور العالمي ( 5 ) . ولسنا ، هنا ، في معرض تقديم عرض كامل للأدبيات المتعلقة برمزية النار ، بقدر ما نريد الانطلاق من التصور الفرو يدي ، حصرا ، لقراءة بعضا من النصوص الشعرية للشاعر نزار قباني . وما من شك ، فأن هذه العينة من النصوص الشعرية في الدراسة الراهنة ، ليست من الشمولية ، بحيث يمكن القول أنها قدمت صورة تامة عن نزار على كونه حارقا ومحروقا ... أي مصابا بهوس الاحتراق . ولنبدأ رحلتنا هذه بالمقاطع الأخيرة من قصيدة " حبيبة وشتاء " لكي نرى ماذا يمثل النار أو الحريق بالنسبة لشاعرنا . يقول :-انا كالحقل منك ِ .. فكل عضو بجسمي ، من هواك ِ ، شذا يضوع َجهنمي الصغيرة لا تخافي فهل يطفي جهنم مستطيع ؟فلا تخشي الشتاء و لا قواه ففي شفتيك ِ يحترق الصقيعهل نحتاج إلى وقوف طويل أو قراءة متأنية للنص ؟ الشاعر صريح في وصف مشاعره إزاء حبيبته .. يقول بصراحة بأنه الحقل .. وكل أعضاء جسمه تفوح منها أهواء حبيبته . يصف حبيبته بأنها الجهنم الصغيرة .. ويعتقد الشاعر بأن ما احد يستطع إطفاء نيرانها .. حتى صقيع الشتاء يحترق في شفت

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram