رغم ما تحققه الاستثمارات النفطية من مردود اقتصادي كبير للبلد إلا أنها تسبب أضرارا بيئية وصحية فضلا عن تصحر الأراضي الزراعية والتي تسبب هجرة المزارعين، ويختلف الخبراء الاقتصاديون والبيئيون وأعضاء مجلس النواب في أهمية هذه الاستثمارات وتأثيراتها السلبية.
إذ أكد عضو مجلس النواب جمال البطيخ في تصريح لـ"المدى" أن "الارتفاع الكبير في الإنتاج سيعظم موارد الدخل وستكون هناك مبالغ كبيرة تصرف على المشاريع وأعمال متنوعة تقضي على البطالة وتنعش الاقتصاد تدريجيا.
وأضاف البطيخ "لابد من وضع خطط جيدة لاستخدام هذه الزيادات والمردودات المالية الكبيرة بصورة عادلة بين المحافظات والمواطنين، مستدركا "لكي تتحقق عملية التنمية يجب حل مشكلة الفساد الإداري والمالي".
وتابع إن "الحكومة أولت أهمية كبيرة لتعويض المتضررين من المزارعين والمواطنين من خلال صرف المبالغ المجزية لهم، فضلا عن تقديم مساهمات مالية للجامعات والمعاهد ومراكز البحث العلمي وتدريب الطلبة الجامعيين"
حرق الغاز يسبب تلوّثاً
من جانبه بيّن عضو مجلس النواب جواد البزوني أن "زيادة الإنتاج النفطي تعني الزيادة في حرق الغاز المصاحب ما يؤدي حتما إلى تلوث أكبر"
وأضاف إن "الكثير من الأراضي حجزت للشركات ما سيؤدي إلى تصحر الكثير من الأراضي الزراعية في المحافظات النفطية"
" هذه المشاكل ليست مبررا للوقوف ضد عمل الشركات الاستثمارية .. رغم تأثيراتها السلبية على الصحة والبيئة " حسب ماتقول عضوة لجنة النفط والغاز فاطمة الزركاني في تصرح لـ"المدى" وتضيف "من الممكن أن نجد حلا لهذه المشكلة إذا خرج المسؤولون من حالة التلكؤ".
وترى الزركاني إمكانية إصلاح المشكلة في انتهاج طريقة الحفر المائل والسيطرة على التأثيرات البيئية والصحية وتقليص نسبة الأراضي التي تعطى للاستثمارات النفطية بهدف دعم القطاع الزراعي".
وكانت مصادر في ائتلاف الكتل الكردستانية أكدت أن "غياب القوانين التي تنظم عمل الشركات النفطية فضلا عن أن القوانين المعمول بها في هذا المجال تحتاج إلى التجديد بما يتناسب والتطورات الاقتصادية للبلد.. هما السببان الرئيسان في هذه المشكلة. إلى ذلك بين الخبير الاقتصادي ميثم لعيبي أن "اكتشاف ثروات طبيعية من باطن الأرض مثل النفط والغاز سيكون موردها المادي اكبر من استخدام الأرض في الزراعة.
وتابع لعيبي إن"الدولة تملك حق السيادة بموجب عقد تم بينها وبين المواطن وتنازل بموجبه الأخير إلى الأول عن جزء من موارده مقابل أن توفر له الدولة حاجات عامة". على حد قوله.
وتضيف "وتعد نظرية العقد الاجتماعي من الصيغ التقليدية لهذا الاتفاق الذي يؤدي إلى عقد اقتصادي ضمني".
وأوضح "أن للدولة سلطة تقرر من خلالها ما هو صالح للبلد بموجب تقويض المواطن لها ،فضلا عن امتلاكها قدرات كبيرة في استغلال الثروات غير متوفرة لدى الأفراد.
آثار سلبية
من جانبه أكد الخبير البيئي حيدر الجزائري في حديث لـ"المدى" أن"آثارا سلبية وأضرارا بيئية مترتبة على عمليات استخراج النفط خاصة بعد عقود التراخيص الجديدة، منبها إلى عدم وجود وسيلة لتحديد حجم تلك الأضرار"
وأضاف الجزائري أن"عمليات الاستخراج وحرق الغاز تحمل ضررا بيئيا على السكان المحليين الذين يتعرضون إلى أكاسيد الكبريت والنتروجين وغاز أول أوكسيد الكاربون والهباء الأسود الذي يغطي سماء تلك الأمكنة فضلا عن أنها تشكل هدرا للثروة الوطنية"
ويتابع إن" كثيراً من سكان هذه المناطق أصيبوا بالأمراض وأكثرها الربو والأمراض الجلدية".
موضحا "رغم تلك المخاطر يرفض معظم السكان المحليين الهجرة لوجود أراضيهم الزراعية التي تعتبر مصدر رزقهم الوحيد فضلا عن قلة التعويضات التي دفعت لهم من قبل الحكومة"
مشددا "لا يمكن إعفاء الحكومة أو الشركات النفطية من المسؤولية بسبب الاستمرار في عمليات حرق الغاز وحرق الحفر النفطية التي تتسبب في إتلاف الأراضي الزراعية لتسربها إلى المياه الجوفية"
ولفت الجزائري إلى أن "الاستثمارات النفطية الجديدة التي جاءت عبر دورات التراخيص الخمس لم تراع المعايير البيئية تماما، رغم أن بعض العقود أشارت إلى ذلك"
داعيا الحكومة إلى"إلزام الشركات بالمعايير البيئية وتقليل معاناة السكان المحليين عبر انجاز مشاريع صديقة للبيئة وعمل أحزمة خضراء وبناء مستشفيات ومراكز صحية ومشاريع مياه وكهرباء تدخل ضمن العقود الموقعة"
ويتساءل الخبير النفطي إياد الحيالي عن كمية التلوث بغازثاني كبريتيد الهيدروكربون التي سوف يتعرض لها الفرد العراقي حين يبلغ إنتاج العراق 12 مليون برميل يوميا في العام 2015 - كما هو متوقع- إذ كانت حصة الفرد من التلوث 2 كغم من إنتاج 2 مليون برميل". وبين الحيالي أن "التلوث يحدث من خلال فصل الغازعن النفط فضلا عن نشاط مكامن الآبار"
وأشار الحيالي إلى أن " لاتوجد في عقود التراخيص للشركات النفطية ما يراعي مخلفاتها الهائلة والتي تسبب التلوث البيئي والذي يؤدي إلى سرطانات وأمراض ربو وتشوهات خلقية وخصوصا في الأجنة كما هو شائع في محافظة البصرة حاليا"
مؤكدا أن"المشكلة تتعلق بحياة الإنسان من جهة وبتأثر الإنتاج الزراعي في المنطقة.
وشدد الحيالي على ضرورة أن تطبق هذه الشركات المعايير البيئية والصحية في عمليات الاستخراج ، منبهاً إلى أن عدم تطبيق هذه المعايير سيؤدي إلى خسارة ثروة ناجزة من جانب والحصول على ثروة طارئة من جانب آخر".
النفط يستحوذ على الأراضي الزراعية
ويقول المهندس الزراعي نصيف قاسم إن" الاستثمارات النفطية أثرت على الزراعة والمزارعين بشكل كبير، مضيفا في حديث لـ"المدى",إن "الزراعة لها مردودات اقتصادية مهمة ،فهي تساهم في توطين العشائر وتقليل معدلات البطالة وخلق حيز من الأمان"
مبينا أن"الاستثمارات النفطية استحوذت على أراضي الكثير من الفلاحين مما سبب موت مساحات شاسعة من البساتين والتي أضرت بشكل كبير الناتج الزراعي".
ويحذر قاسم من "عواقب ومشاكل كثيرة أهمها إمكانية فقدان الأمن الغذائي، معتبرا أن "التعويضات للمتضررين غير منصفة ويجب إعادة النظر بها حسب استحقاق كل مواطن"
ويؤكد المتحدث باسم وزارة النفط عاصم جهاد في حديث صحفي أن" العقود النفطية تتضمن شروطا وضعتها الوزارة، بينها دراسة المعايير البيئية والصحية التي تستخدمها أي شركة قبل دخولها مرحلة التنافس"
مبينا أن"أي شركة نفطية أو غازية يتم التعاقد معها يجب أن تكون مهتمة بأدق المعايير المطلوبة، وفق العقود الملزمة بتطبيق معايير البيئة العالمية والاستخدام الأمثل للعمليات النفطية"
لافتا إلى أن"خطة رفع الطاقات الإنتاجية رافقتها خطة الحفاظ على البيئة ودرء الانبعاثات التي تسهم في التلوث بالتعاون مع العديد من الجهات"
وذكر بيان للوزارة تلقت "المدى" نسخة منه, أن" الفرق التفتيشية التابعة لمديرية بيئة واسط قامت بزيارة حقل الأحدب النفطي وإجراء الكشف الموقعي والبيئي للحقل لمتابعة الإجراءات المتخذة من قبل شركة نفط الوسط وشركة الواحة الصينية من اجل معالجة الانبعاثات الغازية "
مؤكدا " هناك لجان رقابة بيئية مشتركة تحدد المتطلبات البيئية لعمل هذه الشركات"
وأضاف أن" الفرق التفتيشية أنذرت الشركة لعدم التزامها في الحد من الانبعاثات الغازية وما تسببه من أضرار على البيئة وصحة المواطن" وأشار البيان إلى أن" وزارة البيئة ستقوم بمتابعة أعمال كافة الشركات المخالفة بعد انتهاء فترة الإنذار لمعرفة مدى التزامها بالتعليمات البيئية".