د عواطف فيصلنزار قباني بــين الحداثـــة والإبـــداع إن دراسة شعر الحداثة تعد ضرباً من المجازفة في ميدان التحليل والنقد، لأن قضية الحداثة نفسها ما زالت حتى اليوم موضوع نقاش وأخذ ورد ومازال ثوبها النهائي لم يأخذ شكله الكامل وأبعاده المحدودة، وما قيل من شعر في هذه المرحلة التي امتدت زهاء خمسة عقود من الزمن يمكن ان يسمى في قسم منه بالمحاولات التجريبية
التي لم ترق إلى ان تكون نموذجات أدبية عالمية والنموذجات الفنية منه التي قد تأخذ صفة الديمومة والخلود لا تزال قليلة كتبها بعض الأعلام المبدعين أمثال نزار قباني و د. أحمد سليمان الأحمد وسليمان العيسى ووصفي القرنفلي ونديم محمد وحامد حسن، ومن المؤسف ان يرى الدارس للشعر الحديث في سورية ان كثيراً من الدواوين الشعرية التي نشرت في العقود الماضية لا تحتل في ميدان النقد الأدبي كبير اهتمام فلا صفحات نشرت للدعاية الشخصية على وجوه الجرائد والمجلات، وقد يكتب الموت على عدد غير قليل من هذه الدواوين الشعرية عاجلاً أم آجلاً، بسبب الضعف والسقم إذ صوحت نضرتها قبل ان تصل إلى أقلام النقاد، وقد تأخذ خصوصية الأدب العربي في سورية وقفة طويلة ريثما تتبلور لأن هذا الأدب لم يكتسب خصوصية خاصة، وقد لا تتحقق فيه معالم مميزة لأنه جزء لا يتجزأ من حركة الأدب العربي الذي تصهره بوتقة واحدة تمثل أدب العرب من المحيط إلى الخليج.وعلى الدارس للشعر العربي في سورية في العصر الحديث ان ينتبه لضرورة التمييز بين فئتين من الشعراء الأولى يمثلها جماعة ممن أصلوا لمفهوم الحداثة وهم قلة أذكر منهم نزار قباني، د. أحمد سليمان الأحمد وسلمان العيسى ووصفي القرنفلي وشوقي بغدادي ومحمد عمران وفايز خضور ومنذر لطفي والشرابي ولا يعني هذا ان المذكورين جميعاً يسيرون في انتاجهم الفني وفق مفهوم نظري واحد إذ ان لكل واحد منهم مذاقه الخاص ووجهته الفكرية وتلويناته الفنية، أما الفئة الثانية فهي لا تزال تسلك سبيل النبوغ بتعثر ويهتم أصحابها بقلب المفاهيم الادبية سواء من ناحية الشكل أو المضمون ويعتقدون ان شكل الشعر القديم أصبح بالياً ويحتاج إلى إهاب جديد ولذلك فهم يجربون الأطر الجديدة التي تخطر على بالهم، ومن هنا يصح ان ندعوهم بالشعراء المجربين، وأهم سمة تميزهم تلك الحماسة والجرأة البالغة على نظم الشعر والإعلان عنه ونشره في الصحف والمجلات مع ان الذوق الأدبي العام لم يستسغ بعد هذا الشعر ولم يتقبله تقبلاً ناتجاً عن رضا وقناعة وتقدير ولعل مرد ذلك يعود إلى التجربة الفنية والشعورية التي لا تزال في أول أطوار النمو وتحتاج إلى كثير من الصقل والتهذيب والثقافة ولا أقصد بهذا الكلام الطعن والنيل من ذوي المواهب الشابة والناشئة والأقلام الواعدة وإني آمل لتلك الفئة من الشعراء ان ينضج شعرها ويعطي أشهى الثمار لأن في فرائد بعضهم تحليقات فنية حسنة تدل على وجود الموهبة والحس الابداعي.إن التطور الذي شهده الشعر العربي في سورية مديناً إلى شعراء الفئة الأولى الذين ولدوا في العشرينيات من القرن الماضي ونقلوا الشعر السوري من المرحلة الكلاسيكية إلى المرحلةالجديدة التي توصف بالحداثة أو المعاصرة فهؤلاء حملوا إلى الشعر الموهبة والثقافة وأعطوا التعبير الفني أطراً ابداعية، فقد جددوا في هيكل القصيدة ومنحوها صوراً وأوزاناً وقوافي مستحدثة وطوروا المعاني وأفاضوا عليها ملامحهم الوجدانية ورؤيتهم الفكرية والموضوعية فهؤلاء أبدعوا مبادىء الشعر الحديث في سورية وساروا بالحداثة إلى أبعد مدى فالدكتور سليمان الأحمد نهل من المدرسة الرمزية والشاعر سليمان العيسى أخذ بمذهب الواقعية العربية وبلور فلسفتها وخصوصيتها العربية وشوقي البغدادي سار في تيار الواقعية الاشتراكية والشرابي مال إلى البرناسية واهتم شاعرنا نزار قباني بقضية المرأة وكاد يقتصر انتاجه الأدبي عليها إلا أنه بعد نكسة حزيران اتخذ شعره لوناً آخر عبر فيه عن هموم الأمة العربية وتطلعها إلى التحرر والنصر ومناهضة الاستعمار بكافة أشكاله.وإن الحديث عن صورة المرأة في الشعر الحديث لا يأتي إلا ضمن معايير فلسفة لجمال والحقيقة والنفس، ومن ثم فإن المعاناة الشعرية هي الرصيد الأول الذي يمتلكه الشاعر السوري عندما يتطرق إلى وصف المرأة وحديثي الآن عن شعر نزار قباني والصورة الجسدية للمرأة في شعره فقد أبرزها في أبهى صورة فوصف جمال العينين وحلاوة الفم وجمال الشعر وما إلى ذلك من تفصيلات دقيقة بل ان شعره اكتسب شعبية كبيرة نظراً لما فيه من عناصر فنية جمالية ناجحة ولعل سر إعجاب الكثيرين بشعر نزار قباني لا يعود فقط لأن نزاراً يمتلك ناصية التعبير الشعري فطرة وسليقة ولأن شعره يكشف عن سهولة في أداء التعبير المبتكر فكأن الكلمات تخلق وتتدفق قبل ان يعيها عقله بل لأن نزاراً في الدرجة الأولى يعرف كيف يستعمل في أغلب شعره الكلمات الطازجة والتعابير المعاصرة دون ان يثقل شعره بتعابير عصور مضت وأجيال من المقلدين انه يحدثنا بلغتنا نحن لا بلغة القرون الوسطى، وهو يأخذ العبارة من أفواهنا وبلمسة رقيقة يحيلها إلى جزء من قصيدة، ونزار صاحب المقولة المشهورة وهي ان الفن هو الجمال المطلق وهو يعترف في مقدمة ديوانه (طفولة نهد)، بأن الشعر عنده كالزهرة الموضوعة في الآنية للتجميل فقط، وفلسفة نزار في ذلك هي من الفلسفات المثالية التي تنادي با
الحداثة في اشعار نزار قباني
نشر في: 18 يونيو, 2010: 04:12 م