TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > رحلة قصيرة مع الشاعر الراحل نزار قباني

رحلة قصيرة مع الشاعر الراحل نزار قباني

نشر في: 18 يونيو, 2010: 04:14 م

 جعفر المهاجرالشعر الحقيقي الذي يخلد صاحبه لابد أن يغور في داخل الأنسان ويعبر عن خلجاته بكل أخفاقاتها ونجاحاتها وسعيه الدائم للوصول الى عالم تسوده قيم الخير والمحبة والجمال. وعندما يختط الشاعر هذا المسار يجب عليه أولا أن يعيش واقع مجتمعه ويعيش طموحاته وآلامه وآماله بكل دقائقها لكي لايأتي شعره عبارة عن عبارات لفظية مبهمة تأتي وتذهب
 ولا تترك في نفس المتلقي أثرا يذكر بحجة (تفجير اللغة من الداخل ) و( الحداثة )والحقيقة ليست الا تهويمات ورموز واشارات وطلاسم بعيدة عن أية دلالة رمزية شفافة وتنقل متلقي الشعر ألى بئر عميقة مظلمة خالية من أية نقطة ضوء تدل على الرمز المقصود وهذا مانراه ونقرأه في الكثير من القصائد في هذا الزمن . لقد خطرت على بالي هذه المقدمه عندما كنت أقرأ بعض أشعار الشاعر الراحل نزار قباني الذي ابتعد عن هذا المسار وكتب جل قصائده بعيدا عن التعقيد والغموض ومن خلال( السهل الممتنع) الذي كتبت به قصائده كون له جمهورا واسعا على مستوى الوطن العربي وخاصة في قصائده السياسية من خلال مقولته ( لو لم أكن ملتصقا بواقعي لآختفيت من خريطة الشعر من زمان بعيد ) وغالبا مايقترن أسم نزار قباني بأنه (شاعر المرأة ) نظرا للكم الهائل من القصائد التي كتبها عن المرأة ويتوهم الكثيرون بأنه تناول المرأة جسدا فقط واتهم بأنه ( متهتك ) في بعض قصائده الغزلية . ورغم صحة هذه المقولة أحيانا ورغم كل ماقيل في هذا المضمار علينا أن لانغفل أن نزار قباني تناول أيضا في الكثير من الشعر الذي تركه عالمها الأنساني والقيمي والروحي وعندما يطلب الحرية للمرأه والوطن والكلمة فأنه يطلبها بمفهومها الشمولي والمطلق من خلال قوله ( الحرية التي أطلبها للمرأه هي ممارسة خياراتها وأنسانيتها وتركها في مواجهة أنسانيتها دون أن يقطع رأسها وترمى في صندوق الزباله ) ونحن متذوقون لايمكننا أن نقولب الشاعر وفق مفاهيمنا ومعطياتنا الخاصة بنا ولا يمكننا محاكمته على تلك القصائد الغزلية التي تضمنتها دواوينه رغم اختلافنا معه وتعارض أفكارنا مع أفكاره وعلينا أن لانجلد الشاعر الكبير نزار قباني لقصائده الغزلية التي كتبها في فترة معينة من عمره الشعري ونركز عليها فقط ونقول هذا ماكتبه الشاعر وأن ننسى الغزل الذي كان غرضا من من أغراض الشعر الرئيسية في الشعر العربي وكل شاعر له حججه وأفكاره ومفاهيمه التي ينظر بها ألى هذا الموضوع . ولست في موقع يؤهلني لتصيد هفوات الشاعر الكبير نزار قباني وهو في العالم الآخر. أن الشاعر نزار قباني شاعر كبير ولد من رحم أمته وغاص في أعماق الشعر واستخرج منه دررا ثمينة تركت بصمات واضحة على الخريطة الشعرية في الوطن العربي فهو لم يكن شاعرا عبثيا كما صوره بعض النقاد وهو لم يكن في يوم من الأيام بعيدا عن هموم أمته وتأريخها وأرهاصاتها وتطلعاتها وما تعرضت له من ويلات على أيدي الغزاة والحكام المستبدين الذين تعاقبوا عليها ويحكمونها بقوة السيف والجندرمة ألى يومنا هذا . يقول نزار في أحدى قصائده : جئتكم من تأريخ الوردة الدمشقية التي تختصر تأريخ العطر ومن ذاكرة المتنبي التي تختصر تأريخ الشعر جئتكم من أزهار النارنج والأضاليا والنرجس والشاب الظريف التي علمتني أول الرسم جئتكم من ضحكة النساء الشاميات التي علمتني أول الموسيقى وأول المراهقة ومن مزاريب حاراتنا التي علمتني أول البكاء ومن سجادة صلاة أمي التي علمتني أول الطريق ألى الله ألى أن يقول : في قلبي شيء من أحزان أبي وفي عيني قبس من حرائق ديك الجن الحمصي . أذن هو أبن بيئته التي تنسم عبير أزهارها الشامية الفواحه وترعرع في تربتها المليئة بالخصب والنماء والأنبهار والعنفوان والتأريخ الحافل بالشعراء والقصص الأنسانية والحكايات الشعبية . لقد كتب نزار قباني قصائد سياسية ووطنية متميزة تركت صدى واسعا وأعجابا منقطع النظير تداولتها ملايين الألسن المصادرة في الوطن العربي لأنها وجدت فيها التعبير الحقيقي عن واقعها المزري المعاش . وكانت تلك القصائد الوطنية السياسية كالسياط الحارقة التي ألهبت ظهور الطغاة والجلادين الذين وجدوا فيها تحريضا للجماهير المضطهدة في أوطانها للخروج من حالة الظلمة والقهر التي تعصف بها من قبل أصنامها التي لا هم لها سوى التسلط بالقوة والبطش على رقاب الملايين . يقول نزار في أحدى مقالاته 🙁 أن الشعب العربي خارج لتوه من سراديب التخلف والسحر والشعوذة . وعلى الشاعر العربي في نظري أن يساعد على اضاءة الطريق وجعل الشعر شمسا تشرق على كل الضائعين والخائفين والمستلبين والمعذبين في الأرض ) .ويقول أيضا في أحدى مقابلاته : (كنت أبحث عن الأنسان بصرف النظر عن لونه وجنسه أو غناه أو فقره أو موقعه الأجتماعي وكل شعر لايتجه ألى الأنسان ولا يصب فيه هو شعر عبثي وهامش الأنسان هو محور هذا العالم وهو القضية الكبرى التي تستحق النضال من أجلها والكتابة عنها). ولا شك أن الأنسان العربي في طليعة المقهورين في العالم وهو منذ قرون مستلب الأرادة ، مهدور الكرامة ، تتعقبه عيون العسس في كل شبر من وطنه والخروج على الحاكم هو خروج عن طاعة الله انطلاقا من الآية الكريمة التي يسخرها السلطان وأعوانه لصالح بقائهم جاثمين كالكوابيس على صدور شعوبهم حيث يفسرونها حسب أهوائهم ظلما وعدوانا على كتاب الله وهي بسم الله

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram