TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > هكذا تكلم نزار قباني..عن الشعر والجنس والثورة

هكذا تكلم نزار قباني..عن الشعر والجنس والثورة

نشر في: 18 يونيو, 2010: 04:17 م

هذا الحوار الطويل الذى دار بين الناقد منير العكش ونزار قباني  ، ، أعتبر من أدق أحاديثه وأخطرها ،  وأكثرها مسؤولية . وهو بالإضافة إلى شموليته ، وتحركه على محاور فكرية وفلسفية وفنية متعددة ، ويتيح للجمهور أن يرى فكر الشاعر   منير العكش :  - هل يشاركك جمهورك في كتابة قصيدتك ؟نزار قباني :  - إذا كنت تعني بالمشاركة أنّ هذا الجمهور يجلس على أصابعي عندما أكتب، فهذا غير صحيح
. أمّا إذا كنت تعني بالمشاركة أنّني أستقطب هموم هذا الجمهور وانفعالاته وأتحسّس بها كما تشمّ الخيول رائحة المطر قبل سقوطه... فهذا صحيح. بهذا المعنى، أنا أقف على أرض التوقّع والنبوءة.حبيبتي هي كل النساء ..منير العكش : - تعني أنّ هموم الجماهير استغرقتك كلّية، وأنّه ليس هناك انفصال بينها وبين تجاربك الصغيرة ؟نزار قباني : - ليس عندي تجربة صغيرة وتجربة كبيرة. كلّ تجاربي الصغيرة هي في الوقت ذاته تجربة العالم كلّه. فأنا، حين أتحدّث عن حبّي، إنّما أتحدّث عن حبّ العالم كلّه، وحين أتحدّث عن حزني، إنّما أتحدّث عن حزن الدنيا بأجمعها. تخطئ حين تظنّ أنّ تجربة الشاعر الجزئية تجيء من برزخ آخر. فالشاعر جزء من أرض، ومجتمع، وتاريخ، وموروثات ثقافية ونفسية وعضوية. وكلّ كلمة يضعها الشاعر على الورقة، تحمل في ثناياها الإنسانية كلّها. والتجربة الذاتية التي تظنّها صغيرة، تأخذ في بعض الأحيان حجم الكون. لذلك فإنّ خصوصيات الشاعر، بمجرّد اصطدامها بالورق، تتعدّى ذاتها، لتصبح فضيحة، فضيحة يقرؤها العالم.إنّ الأدب الذاتي خرافة... وافتراض. فالذات ليست إلكتروناً منفصلاً ولكنّها جزء من حركة الكون. حتّى في حالات عشقي الشخصي، أشعر أنني أكثر كونية .. وأشعر أنّ الواحدة التي أحبّها... هي كلّ النساء.النوم في عيون النساء منير العكش: - لكنني أعتقد أن تحولك العميق ، منذ (الممثلون والإستجواب) كان صيغة لنداء الآخر ، وأثراً من طغيان الجماهيرية عليك. وأنت تعرف تلك الهمسات التي كانت تستغيب نزار قباني وتتهمه بالتجارة بعواطف الجماهير .نزار قباني : - أنا أعتقد أن التحول من شعر الحب إلى شعر السياسة ليس تجارة رابحة مطلقاً ، فالنوم في عيون النساء أكثر طمأنينة من النوم بين الأسلاك الشائكة ، وتجارة العطر أربح من تجارة الخل . والإنسان الذكي هو الذي لا يسقط فى بئر السياسة في بلادنا . إن مملكة الحب تبقى أسعد الممالك . وثق أنه كان بإمكاني أن احتفظ بسلطتي على مملكة الحب زمناً طويلاً . ولديَّ كل الإمكانيات على الصمود والدفاع عن عرشي ورعيتي .إن تحولي إلى السياسة ، وأنا لا زلت أصر أنه لم يكن تحولاً ، كان نتيجة هزة داخلية كسرت كل ألواح الزجاج فى نفسي .. دفعة واحدة . ومن نثارات الزجاج التي خلفها حزيران ، على أرض حواسي ، صرختُ بصوت آخر.وأريد أن أؤكد أن شعري السياسي علقني على أكثر من صليب وأكثر من حبل مشنقة . إن نصف الأنظمة العربية تقف من شعري السياسي موقف العداء والرفض ، وتمنع كتبي من دخول أراضيها . فى حين أنها كانت تدللني (كشاعر حب) وتفتح لي ذراعيها. كان بإمكاني أن أتبع مبدأ التقية ، كما يفعل الباطنيون والجبناء ، ولكنني اخترت أن أموت على الطريقة البوذية حرقاً ، لأنني أؤمن أن الكتابة نوع من الشهادة ، وأن الشاعر الحقيقي هو الذى يُـذبح بسيف كلماته ، كما فعل سقراط والحلاج . إنني شاعر اختار المسير دائماً على حد الخنجر وأظن أن النوم على حد الخنجر ليس نوماً مريحاً ولا مرغوباً فيه.الحب الذى ربطوني به ، ليس الحب الذي تحدده جغرافية جسد المرأة . إنني أرفض مواراتي فى مثل هذا القبر الرخامي الضيق. فالمرأة قارة من القارات التي سافرتُ إليها ، ولكنها بالتأكيد ليست العالم كله . إن الحب عندي يعانق الوجود كله . إنه موجود في التراب ، وفي الماء ، وفي الليل ، وفي جراح المناضلين ، وفي عيون الأطفال ، وفي ثورات الطلاب ، وغضب الغاضبين.المرأة موقف من المواقف فى رحلتي البحرية الطويلة ، ميناء من الموانئ ، زودني ذات يوم بالخبز والماء والحرير وأعواد البخور . لكن بقية الموانئ ظلت تنادي سفينتي . إن أسوأ شىء فى تاريخ البـَحـَّـار ، هو الرسو فى ميناء واحد . فالميناء الواحد مقبرة للطموح . وخلال رحلتي الطويلة مع الشعر ، لم تبقَ المرأة فى مكانها ، ولم أبقَ فى مكاني . كان لابد من تغيير المقاعد والأثاث والأدوار ، حتى لا يتحول الحب إلى مملكة من ممالك الضجر.نقلت سريري إلى الهواء الطلق ..منير العكش :- حتى هذا فى رأيي لا ينفى عن شعرك احتراف الإثارة .نزار قباني :- إنني لا أحترف الإثارة . ولكنني أرمي أوراقي على الطاولة بشجاعة وألعب بكل رصيدي . أنا رجل يرفض أن يلعب لعبة الحب خلف الكواليس .. لذلك نقلتُ سريري إلى الهواء الطلق .. وكتبت قصائد حبي على أشجار الحدائق العامة. أردت أن أحرر أثداء النساء من أسنان الخلفاء ، أن أنهي مرحلة السرية والأحكام العرفية المفروضة على جسد المرأة العربية ، وأعيد للحب شرعيته.بين الإضاءة والتعتيممنير العكش :- أذكر مرة أنك قلت : إن الغموض ضرورة للجمال. كيف توفق بين موقفك هذا ورغبتك فى إنهاء مرحلة السرية المفروضة على جسد المرأة العربية ؟نزار قباني : - الحلم شيء ، والبوليسية شيء آخر . إنني مع الحلم وضد البوليسية في الحب وغير الحب . فمن المعروف أن الإضاءة المبالغ فيها تقتل الحلم . وهذا قانون يطبق على الحب كما يطبق على الج

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram