TOP

جريدة المدى > عام > رواية (الكتاب الأخير ) الصادرة مؤخرا تعلن : الثقافة في خطر ..في العصر الرقمي

رواية (الكتاب الأخير ) الصادرة مؤخرا تعلن : الثقافة في خطر ..في العصر الرقمي

نشر في: 8 يناير, 2022: 10:52 م

ترجمة : عدوية الهلالي

صدر في فرنسا مؤخرا كتاب رسوم متحركة يحمل عنوان (الكتاب الأخير) وقد أثار جدلا كبيرا لأنه يضعنا في ديستوبيا صحية في عالم تحكمه غافام

(وهو اختصار أسماء شركات الويب الأميركية العالمية الخمس، وهي غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون ومايكروسوفت )، ويضم هذا الكتاب سيناريو معقول اكثر مما يمكن تخيله ..وتدور أحداث هذا الكتاب في باريس عام 2050، حيث لم يتم احتواء الوباء العالمي نهائيًا وتسببت المتغيرات الناجمة عنه في أضرار بشرية جسيمة ، مما أدى بشكل خاص إلى إغلاق المدارس والمكتبات.

في العصر الرقمي ، أصبحت المعرفة رقمية بالكامل وصار الاطفال يتعلمون من المنزل عبر سماعات الواقع الافتراضي التي تنقل لهم المعلومات. لم تنقرض الكتب الورقية فعليًا فحسب ، بل تم حظرها بمجرد نجاة الناس من الدمار، وصار الاحتفاظ بها يعرض الفرد لهجوم شرطة الكتاب ، تمامًا كما هو الحال في رواية (فهرنهايت 451) التي أشار مؤلفو هذا الكتاب الهزلي إليها بوضوح. وهي رواية عالمية من تأليف القاص الأمريكي راي برادبري تحكي عن قصة نظام شمولي يقوم بغزو العالم في المستقبل ويجعل التلفزيون دعاية سياسية له ويقوم بحرق الكتب على درجة 451 فهرنهايت. بطل الرواية هو رجل الإطفاء "مونتياج" الذي يلتقي مصادفة بجارته المثقفة وتدعى كلاريس وقد قامت باجتذابه وإقناعه بقراءة رواية جميلة وكانت النتيجة انه وقع في حب التراث الإنساني العريق الذي لم يكن يعلم عنه لولا كلاريس. وبالتدريج تمرد هو أيضا على السلطة. وهذه الرواية كانت ردا من راي برادبري على الإرهاب الثقافي الذي مارسه السيناتور جوزيف مكارثي على الكتاب والمثقفين في أمريكا.

في رواية ( الكتاب الأخير) الصادرة مؤخرا،يتم انتخاب مؤسس Fatalbook رئيسًا للولايات المتحدة ، والذي يستفيد من معرفة الناخبين من خلال الجمع الشامل للبيانات الشخصية. ومثل كثيرين آخرين عبر التاريخ ، تعتزم إدارته بناء عالم جديد خالٍ مما يُنظر إليه على أنه غير أخلاقي ، ومخرب ، وانفصالي. وتكون الخطة هي السيطرة على المعرفة ، وبالتالي السلطة . ولأن لجنة الإشراف والرقابة على المطبوعات هي المسؤولة عن الإلغاء الدائم للنسخة الرقمية من الروايات أو الأعمال الأدبية التي لا تتوافق مع المعايير الأخلاقية المقبولة (فبالتالي يتم التخلص من الكنوز الأدبية المعروفة).وهو حلم قديم وأداة لجميع الشموليين أيضًا ، اذ يُقترح تبسيط اللغة واستبدالها بلغة واحدة عالمية يمكن للجميع فهمها. ويتم التحكم أيضًا في التفاعلات البشرية ، وقد اعتاد الناس على حظر التجول المنهجي ، ومراقبة الطائرات بدون طيار للسيطرة على أي متمرّد على السلطة ،وفي نفس الوقت صرنا نشهد اختفاءا غامضا للأطفال ...

وإذا كان موضوع هذا الكتاب مثيرًا للاهتمام ، على الرغم من نهايته غير المتقنة إلى حد ما وبعض الصور النمطية المشكوك فيها ،فإننا نستخلص منه نتائج مهمة،فإلى جانب المخاطر المرتبطة بالتكنولوجيا الرقمية والتحكم في البيانات والمعلومات ، فإن ما يقلقنا أكثر من قوة غافام هو السيطرة على السكان التي تمارسها الصين بالفعل والبحث المحتمل عن امتدادها إلى مناطق نفوذها بعد ذلك.

اما فيما يتعلق بالولايات المتحدة ، والعالم الغربي ، فإن ما يقلقنا أيضًا في المستقبل القريب هو جميع أشكال التنقيب في الماضي ، وكشف زيف الذين يهاجمون حرياتنا ، تحت ستار التصرف باسم الحرية كما هو الحال دائمًا، فقد ثبت تاريخيًا لسوء الحظ أن الأقليات النشطة والصاخبة لديها ميل مؤسف للفوز في كثير من الأحيان على الأغلبية الصامتة ، مما يجعل جميع سيناريوهات التشكيك في الحريات ومحو الماضي وأسوأ الجروح البشرية التي يمكن أخذها في الاعتبار أكثر منطقية. ومنها مايحدث في الثورات على سبيل المثال، حيث ثبت أن الغاضبين يرتكبون أفظع الأهوال باسم الثورة ، مما يتسبب في مذابح ودمار للغالبية العظمى الذين لا يوافقون ولكن لا يتفاعلون أو يتفاعلون قليلاً ، او (تم التلاعب بهم) كما حدث مع حركات مثل السترات الصفراء ، والحركات التي تنتشر حاليًا بشدة في المجتمع والجامعات الأمريكية ، والنتيجة هي نفسها دائمًا تقريبًا: الافتقار إلى الشجاعة ،الأخطاء السياسية ، روح المقاومة الضعيفة ، النزعة الشاملة ،التي تسود على الاهتمام بالعدالة والحقيقة ، مما يزيد من خطورة حرياتنا الأساسية. ومنذ ظهور مرض كوفيد ، بدأ التنازل الخبيث عن بعض حرياتنا ، فبعض ما يسمى بالحكومات الديمقراطية اظهرت نزعة مقلقة لتقليصها شيئًا فشيئًا،وعلى الرغم من الانتقادات الصغيرة المحتملة التي يمكن أن يعبر عنها المرء فيما يتعلق بهذه المهزلة الغريبة التي يتحدث عنها الكتاب، إلا أنه من العدل أن نقول ان لا شيء مستحيل ، فحرياتنا مهددة باستمرار ، ومثل هذا السيناريو ومايقدمه من (ديستوبيا) هو أكثر معقولية مما يتخيله الكثيرون.

يروي الكتاب كيف أدى ظهور جا ئحة عالمية في عام 2050 في باريس الى إغلاق المكتبات والمدارس والمكتبات. فقد قام عمالقة الصناعة الرقمية برقمنة المعرفة بالتواطؤ مع القادة السياسيين الذين فهموا مخاطر القوة المرتبطة بالتقنيات الجديدة ، ووضعوا حداً لإنتاج الورق قبل حظره. حيث باتت المعلومات تصل الينا عبرالشاشات أو يتم زرعها على الفور في شبكية العين لدينا وتتم الدراسة في المنزل بصحبة وسائل اتصالات مبرمجة وفقًا لمبادئ هذا المجتمع الجديد.ولكن في قلب هذا العالم السلس والمعقم ، يزدهر الغموض ويختفي العديد من الأطفال دون ترك أي أثر. ويقف وراء عمليات الخطف هذه مجموعة من المقاومين الذين ينوون إعادة الفضول والتفكير النقدي للجيل المقبل بعد أن سلبهم منهم المجتمع. ولكن تم اكتشاف خطتهم. واشعلت النيران في المكتبة الموجودة تحت الأرض التي كانوا يختبئون فيها ، بالإضافة إلى الكتب التي كانت تحتويها ونجحت مجموعة من الأطفال في الهروب من المذبحة. ومعًا ، يحملون على عاتقهم مهمة كتابة "أول كتاب" جديد حتى لو كان (الكتاب الأخير) ..وتتمتع الرواية بالتشويق والواقعية بل تشبه رسالة حب مطبوعة واستذكار لتاريخ الكتاب وهي من تأليف فرانسوا دورباير ورسوم بريس دونغينو واللذان قدما عملا يدفعنا الى التساؤل عن الدور الاساسي للأدب في بناء الإنسانية ...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الأنواء الجوية: ارتفاع في درجات الحرارة الاسبوع الحالي

الكويت تنفي تدهور الحالة الصحية لسلمان الخالدي الذي تسلمته من العراق

ترامب: نريد 50% من ملكية تطبيق تيك توك

القوانين الجدلية على جدول أعمال البرلمان يوم غد الثلاثاء

هل أخطأ البرلمان بعدم حل نفسه مبكراً؟

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

مقالات ذات صلة

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو
عام

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو

علي بدرفي مدينة تتلألأ أنوارها كما لو أنها ترفض النوم، وفي زمن حيث كانت النجومية فيها تعني الخلود، ولدت واحدة من أغرب وأعنف قصص الحب التي عرفتها هوليوود. هناك، في المكاتب الفاخرة واستوديوهات السينما...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram