إياد الصالحي
ستون عاماً من التعب ألا تكفي؟ آه لو تكفّل جمهور ملعب "الشعب الدولي" وترافع بالإنابة عن ظُلمه وإهماله، وعن نوح الحَمام المُشرَّد من تحت سقفه العتيد، لدفع الثمن جميع وزراء الرياضة قبل وبعد شوط الاحتلال الأمريكي عام 2003، الذي هزّ قاعدة ارتكازه في حربه المُدمّرة، وأخطرَ ولم يزل حياة أكثر من ستين ألف مشجّع إذا ما أنهار بغتة بلا إنذار!
هناك حقيقة غائبة عن الكثير من المتابعين أن عُمر ملعب الشعب الدولي لا يبدأ من تاريخ افتتاحه عام 1966 ودخوله خدمة الكرة العراقية، بل قبل ذلك بخمسة أعوام مُنذ أن وضع رئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم قاسم عام 1961 حجر الأساس، أي ستة عقود من ضغوط الدوري والمنتخبات والفعّاليات السياسية في أزمنة مختلفة، إلى حرب الخليج وهبوط مروحيّات الأمريكان وفيض مياه الامطار وحملات الإعمار المخرّبة، لم يفكّر أي من مسؤولي الحكومات المتعاقبة ولا وزراء الرياضة الخمسة بما يُمكن أن يُخلّفه أنهيار الملعب من ضحايا بأعمار تتراوح من 15 إلى 25 عاماً جُلّهم من الكادحين.
لا نرتجي أي رد من وزير الرياضة الحالي عدنان درجال، أو من يخلفه، فهناك ما يمنعهما من مكاشفة الرأي العام حالهما حال الوزراء السابقين بأسرار منشأة (ملعب الشعب الدولي) التي تستحقُّ الهدم وإنشاء ملعب جديد أسوة بعديد الملاعب المحلية، بدلاً من عمليات الترميم البائسة التي تهتمّ بمظهرها الخارجي، وتهمل مراقبة أسسها وتربتها الهشّة غير المقاومة لأعمدة البناء، والتي لا تتوفر فيها الشروط الأربعة كالمتانة والتوازن والثبات والاستقرار، بدليل حملات إغلاق الملعب بين سنة وأخرى بذريعة صيانته وخلاصه من المياه الجوفية طوال العقود المارّة.
ملعب التعب وليس الشعب، أهلكته مناسبات التباري عليه، من بطولات الدوري وودّيات المنتخبات الوطنية ورسميّاتها، وحتى خلال فترات رعايته لم يهنأ بالأموال الطائلة التي توفرت له ما بعد عام 2003، إبان تضرّره من ضربات الطائرات الأمريكية للعاصمة بغداد، فقد نقل المكتب الإعلامي للجنة الأولمبية الوطنية تصريحاً لرئيسها حينه أحمد الحجية أن بول بريمر (الحاكم المدني الأمريكي في العراق) قدّم مبلغ 3 ملايين دولار لزرع أرضيّته وإصلاح ساعته وتبديل سياجه وترميم مدرّجاته وإنارته من كل الزوايا، ولم تتحسّن بنيته، وما أن مرّت ست سنوات حتى بادر رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني (رئيس حكومة الإقليم عام 2009) بتمويل مشروع ترميمه وتأهيله بأربعة ملايين دولار، ومع ذلك ظلّ يُعاني البؤس في جنبات منشأته وسط غياب مرتكزات أساسية منحته نقاطاً قليلة في التقييم مقارنة مع الملاعب العصرية.
الدائرة الهندسية في وزارة الشباب والرياضة مطالبة بفتح ملف ملعب الشعب الدولي، ودراسة مشروع هدمه حال أختتام موسم الدوري الممتاز، ويكون ملعب المدينة الدولي بديلاً له، ثم بيان جدوى بقائه وسط الدوائر الأمنيّة والخدميّة ومنطقة ضيّقة مأهولة بالسكان وبمحاذاة طريق محمد القاسم للمرور السريع حيث أن الموقع الجغرافي تغيّر من مساحة شاسعة فارغة حول الملعب مع نسبة سكان ضئيلة للعاصمة بغداد في الستينيّات مقارنة مع اليوم التي تقارب 8 ملايين نسمة حسب إحصاء وزارة التخطيط لعام 2021، بينما هذا الرقم يمثّل عدد سكان العراق لأحصاء عام 1965 قبل افتتاح ملعب الشعب بعام واحد أي تضاعف عدد سكان بغداد بشكل كبير ولا يتناسب موقعه أبداً.
العاصمة بغداد بحاجة الى ملعب دولي كبير يحمل اسمها في موقع متميّز وستراتيجي بالقُرب من المطار، تُحدَّد له مساحة الملعب وملحقاته، ومقاعد تستوعب أكثر من 70 ألف متفرّج، وتحيط به الفنادق والمجمّعات الرياضيّة والمطاعم والمتاجر ومحطّات النقل السريع والمتنزّهات، وكل ذلك ليس صعباً على بلد يمتلك الثروات الطبيعية، لكنه يفتقد الخبرات المحترفة كالتي قدّمت لقطر ثمانية ملاعب مع عديد المنشآت الخدمية العالمية الجاهزة لمنافسات المونديال في تشرين الثاني وكانون الأول المقبلين بكلفة قاربت من 6 مليارات دولار، بينما كلفة ملعب البصرة الدولي وحده تجاوزت مليار ونصف المليار دولار، ولم تكتمل مرفقات مدينته الشاملة بعد!