علاء المفرجي
في كتابه (فن الشعر) يقول الشاعر الروماني هوراس: إن الشعر صورة ناطقة، والرسم شعر صامت، وهكذا نحن، نبحث في الشعر عن الصورة،
والصور التي تستولي على أرواحنا، بينما نحن في الرسم نستلهم الشعر من خطوط اللوحة وألوانها، ولكن أي شعر، الشّعر الذي يشاكس الواقع ويتخطاه الى استكشاف المجهول، هو ما يثير خيالنا ، واللوحة التي تبحر بنا الى عالم لاحدود له، هي التي تتواطأ مع الشعر في سبيل الكشف، وهذا هو بالضبط ما يبدو لنا تضادا ما بين الإيهام، واليقين، إن هو إلا صورة مكتملة من جنس معرفي جديد، جاء من تجاور الشعر والرسم لتوليد دلالة بصرية.
في الشّعر صور كثيرة تخطها فرشاة الفنان برسوم وألوانا شعرية ، فيما يمكن للشّاعر أن يستبطن رسما علّه يبوح له بما تبوح به اللّغة. وهذا ما فعله الفنان يحيى الشيخ، وهو يقرا قصيدة (تمرين في اليقين) للشاعر عبد الرحمن طهمازي.. فقد شغله أمر بنائها وما استبطنت من معرفة وجودية عميقة، كما شغله نسيجها اللغوي النادر حيث عكف على وضع مخطوطة لها، ليس بهدف رسمها، إنما إنجاز عمل يجاورها، ويقدم عالما تشكيلياً يتناغم مع رنين القصيدة المتفرد والعميق...
استقل الفنان السفينة هرباً من البحر، كما نصحه الشاعر يحدوه رنين خفي، مرة يسمعه في رأسه ومرة في القصيدة، ومرات في اضلاع القلم.. “ لم يكن لدي تصور أو فكرة عما ستكون عليه الرسومات، فالقصيدة كانت تتجدد كلما تكررت قراءتها، وتقدمت طلائع الخطوط بحذر بصفوف ترتجف.”
فرسالة يحيى الشيخ تلخص وبشكل مدهش هذا السعي المحموم للرسام وهو يقف مرات ومرات امام نص شعري، محاولا فك رموزه واستبطان فحواه، فهو إذ ترك البياض يرسم حتى “استهلت الرسوم ظهورها على منوال قصيدة طهمازي المدوّرة وسرى الرنين في جسد البياض، وانتظمت جحافل الخطوط يسند أحدها الآخر ويقيّم مساره” كمل يقول.. هذا ما فعله النص بيحيى الشيخ.. الرسام الذي انتظر (إلهام) اللوحة مستغرقا الكلمات الهاربة والرموز الآيلة للإفصاح والمجاهرة ليسطر خطوط مخطوطته، التي اراد لها أن تستحيل الى انجاز يجاور أو لنقل يتماهى مع نص طهمازي حد التطابق.. هذا ما رآه الفنان، ولكن هل القصيدة بتمردها وعصيانها، ممكن لها ان تمنح نفسها لخطوط الشيخ؟ ذلك امر مرهون لبارئها الشاعر عبد الرحمن طهمازي.
استغرق العمل على مخطوطة يحيى الشيخ أشهر عديدة وإنتهت على أربع وخمسين صفحة مختومة، إضافة لغلافين من الورق المقوى، بقياس 30/40 سنتمتر، رسمت على ورق قطني وزن 250 غرام.. اخترنا اوراقا من مخطوطة يحيى مع مقاطع من قصيدة طهمازي.. نقدمها لكم هنا: