علاء المفرجي
تناولت في (افلام السيرة الذاتية) سيرة رؤساء اميركا وسلطت الضوء بشكل خاص على المخرج اوليفر ستون في توثيق جوانب من حياة هؤلاء الرؤساء، ولكن تبقى سيرة لنكولن السيرة التي تناولتها السينما لاكثر من مرة، فق تجاوزت الأفلام التي تناولت شخصية لنكولن اكثر من عشرين فيلما روائيا، فضلا عن الافلام التسجيلية عنه، لاسباب تتعلق بشعبية هذا الرئيس، ودوره التاريخي في تعديل المادة الثالثة عشرة من الدستور الأميركي التي بموجبها انتهى عصر العبودية والرق في اميركا، وبنهايته انتهت الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب.
فيلم (لينكولن) الذي يعود به المخرج ستيفن سبيلبرغ الى تقديم الافلام الكبيرة بعد كبوة لم تدم طويلا، يتناول الشهور الاخيرة من حياة الرئيس لينكولن وهي الفترة التي حسمت بها واحدة من اهم القضايا في التاريخ الامريكي والمتمثلة بانهاء عقود من العبودية ، وانهاء حرب اهلية تعد الاعنف والاطول في التاريخ .
في هذا الفيلم نحن مرة اخرى اذن عند حدث في حياة شخصية استثنائية كان لها دور فاعل ومفصلي في التاريخ الامريكي، وليس فحصا تاريخيا كاملا لسيرة الرئيس السادس عشر للولاليات المتحدة الاميركية، بل اننا ازاء سيناريو فيلم دراما تاريخي ، لولا السيناريو المحكم الذي كتبه توني كوشنر عن كتاب لدوريس كيرنز جودوين بعنوان «فريق متنافسين: العبقرية السياسية لأبراهام لنكولن»، والذي جعل من شخصية لنكولن محور الحدث وصانعته، والحدث هنا مرتبط بشكل وثيق بطبيعة هذه الشخصية ودورها الفاعل.
وربما لسبب يتعلق بكون الحادثة التاريخية موضوع الفيلم معلومة تفاصيلها ، فكان على مخرج من طراز سبيلبرغ ان يعيد انتاج الحادثة بما عرف عنه من استنفاد اقصى ما تمتلكه ادواته في صياغة لغة سينمائية متقدمة، وهو السبب نفسه الذي جعله يجتزئ هذا التفصيل المهم من حياة لنكولن.
فالرئيس لنكولن الذي يجمع المؤرخون على انه إلى جانب جورج واشنطن وفرانكلين روزفلت، احد افضل الرؤساء في تاريخ اميركا على الاطلاق، وتتضمن سيرته الشخصية دراما هائلة من الصراع والاحداث الشخصية والكفاح المتفاني للوصول الى المجد.
وهناك الكثير من الاحداث الشخصية والعامة التي عاشها لنكولن تستحق ان ندخلها موشور السينما ، لنقف عند دراما متكاملة. حياة تبدا من العمل المضني في بناء الشخصية التي سيحتفظ لها التاريخ الامريكي فيما بعد باروع صفحاته، ففضلا عن الحدث الابرز الذي تناوله الفيلم والمتعلق بتعديل المادة الدستورية المتعلقة بالغاء الرق ونهاية الحرب الاهلية ، هناك احداث اخرى تتعلق بالسعي المحموم منه لاقناع مشاركيه في الحكومة بالموافقة على هذه التعديلات ، ثم تعقيدات الحرب وضراوتها.. والاهم هي حادثة اغتياله التي تعد الاولى من نوعها لرئيس امريكي ، وايضا للطريقة التي نفذت بها على يد ممثل معروف وجاسوس كونفدرالي يدعى جون ويلكس بوث.
ستيفن سبيبلرغ يبرع مرة اخرى في تقديم فيلم السيرة بعد فيلمه الكبير «قائمة تشاندلر» الذي ينتمي للنوع نفسه من الافلام بتناوله قصة أوسكار تشاندلر الصناعي الألماني الذي أنقذ 1100 يهودي بولندي من القتل في محرقة الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية.ولكن بنفس الطريقة التي يعالج بها سبيلبرغ شخصية لنكولن .. اعني في ان يكون الحدث هو المحور.
استنفر سبيلبرغ كل ادواته لنجاح هذا الفيلم الذي يعد احد اهم الافلام في مسيرته، ومنها لفتته الذكية بالاستعانة باعظم ممثل حي هو دانيال دي لويس في دور لنكولن والذي قدم اداء إعجازيا تماهى فيه بالشخصية بهدوئها وحكمتها وذكائها بادارة الصراع، وكذلك باداء مبهر للممثلة سالي فيلد بتاريخها المتخم بالجوائز ومنها اثنتان من الاوسكار بدور ماري تود لنكولن زوجة الرئيس لنكون.