اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > وجهة نظر: تعاقب الخطوات

وجهة نظر: تعاقب الخطوات

نشر في: 19 يونيو, 2010: 04:44 م

فوزي السعدالمبدعون في كلّ أنحاء العالم ، لهم خطواتهم الأُول ، هذه الخطوات تؤسس البداية التي تنطلق منها أقدامهم إلى أرضية الإبداع المتقدم، الذي يحمل معه ألق التوثب ، ودهشة الاكتشاف، وصيرورة الكون الجديد ، وهو يستمد أنوار طريقه من ذلك الفنار الذي أشعل فانوسه الشاعر في لحظة ما غير معروفة ،النور الأول ، باكورة الاشتعال لجمرة فتية أيقظتها قصيدة أولى.
 في داخل كل شاعر فنار يفرش أنواره فوق مياه البحر، على أمواجه المظلمة الصاخبة ، يلتقط دندنة الأسماك ، وهمسات القواقع ، وآهات الغرقى ، وتوسلات السفن الضالة فوق سطح المياه ، وبين أحضان الأرخبيلات المتحركة .   من هذه العوالم ، تبدأ رحلة الشاعر الأولى،وتبدأ فنارات الشعراء تطلق أنوارها التي تتوسل هذا الروح المتسكع الذي لا يعرف القيود،ولا الضفاف،لأنه تعوّد في كل مرة على أن يبتكر التيه ، ويرسل ما يصطاده في طريقه على ظهر موجة قادمة إلى الضفاف، يلتقطها الشعراء أشبه بحورية لا تعيش إلاّ في مياه الشاعر نفسه، ولا تتنفس إلاّ من خلال رئتيه ، و لا تتكلم إلاّ بلغة يترجمها الشاعر إلى الناس.من هذه البداية المبدعة ، تنطلق الأكتشافات، ويؤسس الشعراء أمجادهم في رحلة الألف ميل الشعرية ، ومن قيمة و أصالة هذه البداية تتوضح أمام الشعراء معالم خطواتهم اللاحقات .    لكن لكل بنيان أساس متين يستند إليه ، ويعلو شيئاً فشيئاً ، هكذا يتم بناء القصيدة في أعماق الشاعر . من لبنات المعرفة الشاملة لمتطلبات الشعر الأساسية نضوج الأفكار ؛ أسرار اللغة ، موسيقى الشعر ؛البصيرة المتقدة ؛ وغيرها من أمور أساسية تمتد إليها يد الموهبة كما تمتد يد البناء لتبني منها هيكل القصيدة ضمن ضوابط معينة ، هي ليست قيود على معصم القصيدة ، وإنما أنوار كاشفة تفتح أمام الشاعر الطريق السالكة نحو المجهول الكامن وراء مجرّات الإبداع .  بهذه المواصفات يتسلح الشاعر لاقتحام عوالمه الجديدة ، ويدك أسوار القصيدة ، ابتداء من تلك الأسوار التي وضعتها أمامه تلك التي تعتمد نظام الشطرين التراثية ، ناشداً الحرية ، ويكون طعم الحرية أكثر قيمة ولذة بعد أن يتزوّد من تلك القصيدة ما يدون مسيرته تحت إيقاع سنابك تلك الأحصنة الخفية التي تجتاز أمامه المسافات ، ليدخل بعد ذلك في أرضية جديدة ، أرض التفعيلة ، لكنها تخلصت مما كان يعترض طريقها من أسلاك شائكة عرقلت مسيرتها خلال ممر ضيّق من التفعيلات المحددة ، وتخلصت من أحجار القافية الموحدة التي كانت تتعثر بها، لتصبح أكثر حرية في سبر أغوار المجهول من غير زوائد أو ذيول تفرض نفسها على كيانها الخلآق . هكذا تتعاقب خطوات الشاعر ، ليدخل بعد ذلك وهو مكتمل المواصفات الأساسية من بوابة الشعر إلى العام الجديد ، عالم قصيدة النثر،الذي يحتاج إلى تلك الخبرة السابقة التي أكتسبها الشاعر خلال مسيرته الإبداعية ، فليست هناك طفرة طارئة أو قفزة مفاجئة يتخطّى بها الشاعر تلك المسافات ليهبط في أرضية قصيدته  الجديدة وهو معافى،لأن هذا يجعله كمن يناطح ثوراً بقرنين من طين ، إذ سرعان ما يتهاوى فوق رماد قصيدته المنطفئة ، فمن يضع يده على جمرات النثر ، عليه أن يعرف كيف ينفخ فيها الروح المتقدة،ويرقى بها من رحاب الكلام العادي إلى مجرات ذلك المكان الأثيري الذي يتربع عليه الشعر مثلما المثّال الذي يحتاج إلى إزميل،ومواد قاشطة، وعين ثاقبة ، وأصابع يد تعرف أسرار الحجر الكامن في هدأة الطين،فلا يمكن للمثّال أن ينحت تمثالاً بحركة يده وحدها،وإنما عليه في البدء أن يسكب في الطين روحه المتّقدة التي تجعل منه تمثالاً حياً ، هو  الآخر ، وهذا يتطلب جهداً إضافياً بالنسبة لطينة قصيدة النثر ، لأن مثّالها لا يمتلك تلك المواد المساعدة من وزن شعري،وتناغم جمل تخلقها القافية تمنح الجملة الشعرية دفْ الإيقاع وتذلل بعض انكساراتها ، ولهذا فقصيدة النثر أصعب من قصيدة الشعر الحرّ ذي التفعيلة،لا يقتحم عوالمها إلاّ المستنيرون بفوانيس الشعر التي أشعلوها في مكان ما،وراحوا يسيرون على هديها في طرقهم الجديدة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram