TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: انصرفوا

العمود الثامن: انصرفوا

نشر في: 16 يناير, 2022: 11:42 م

 علي حسين

نراهم في كل مكان يدافعون عن عدم الكفاءة، ونسمعهم يصرخون أنهم ليسوا مسؤولين عما يجري وعما جرى، وأنهم ورثوا دولة مثقلة بالفساد والخراب، ويقولون أيضا إن نقد المسؤولين والسياسيين، هو نوع من الحقد والحسد، إن لم يكن تنفيذاً لأجندات أجنبية.. لا يريدون أن يعرفوا أن الكفاءة تعنى النجاح في إدارة الأزمات والقدرة على تقديم مبادرات، وهذا مثلاً ما جعل مانديلا يرفض أن يبدأ حرب الانتقام ضد البيض الذين عذبوه، ليفاجئ العالم بسياسة اليد الممدودة.

ماذا فعل السادة الذين حكموا أكثر من 18 عاماً؟ ما المبادرات التي قدموها غير نهب المال العام، ومحاولة إصدار قوانين تعيدنا إلى عصور مضت، وتشجيع الانتهازية والرشوة والتزوير، بالإضافة طبعا إلى الشهوة التي لا تفارقهم في إعلان دولة "تقاسم الكعكة"؟

نقلب في الأخبار ذات اليمين وذات الشمال عسى ان نجد أحد مسؤولينا، أو سياسيينا، يمارس فضيلة مراجعة النفس والاعتراف بالخطأ، والتي تشكل اليوم جزءاً من نسيج الحكومات المتحضرة، وتاريخ الاعتذارات مليء بالمواقف الصعبة لعدد كبير من المسؤولين في الغرب وهم يخرجون للناس يقدمون اعتذاراتهم، ومعها خطاب الاستقالة بسبب أفعال أضرت بالمصلحة العامة.. عام 1969، اقترع الفرنسيون على الدستور الذي اقترحه ديغول. وحين أعلنت النتائج التي تظهر أن 52% من المواطنين صوتوا ضده.. نجد صباح اليوم التالي صحف فرنسا تنشر على صفحاتها الأولى الخبر التالي: ديغول يقدم استقالته وبيان من سطر واحد "اعتبارا من اليوم سأتوقف عن ممارسة مهامي كرئيس للدولة"، كان ديغول، الذي شعر بالأسى، قد أنقذ فرنسا في حربين عالميتين.. وجعل منها خلال فترة حكمه واحدة من الدول الاقتصادية الكبرى.. ومع ذلك استجاب لنسبة الـ2% ومضى إلى منزله الريفي وظل هناك حتى توفي.

زعامات ساطعة في التاريخ استطاعت بفضل نزاهتها وحكمتها وإصرارها على إشاعة روح العدالة الاجتماعية أن تحدث أكبر التحولات السياسية والاقتصادية في العالم، وحين يطمئن مسؤول منهم إلى أن كل شيء يسير في الطريق الصحيح، ينفض يديه من السلطة ويقرر أن يحتكم لصوت الضمير والناس .

دروس من التاريخ مهينة لديمقراطيتنا العشوائية ، ونحن نرى ساستنا يتعاطون شؤون الحكم بالتقاتل والكره والتخوين. في هذا البلد، بلد الأربعين عجيبة وعجيبة.. هناك أكثر من وجه قبيح في ديمقراطية المحاصصة الطائفية. أن تصبح أبواب المناصب والمنافع مفتوحة للتهافت والتكالب والسعي لإلغاء الآخر، وجعل السياسة سوقاً للشعارات التي تجعل من المسؤول مبعوث العناية الإلهية لهذا الشعب لكي يسير به إلى طريق الهداية والإيمان.. لم تعد السياسة في الأمم المتحضرة مباراة للبطولة وحشد الطوائف.

ولأصحاب هذا المسلسل الديمقراطي المثير لا أملك إلا أن أعيد على أسماعهم ما قاله يوماً الراحل محمود درويش: خذوا حصتكم من دمنا.. وانصرفوا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. سمراء

    لقد أخذوا كل شيء حتى لم يبق لنا دم ليأخذوه

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

 علي حسين دائما ما يطرح على جنابي الضعيف سؤال : هل هو مع النظام السياسي الجديد، أم جنابك تحن الى الماضي ؟ ودائما ما اجد نفسي اردد : أنا مع العراقيين بجميع اطيافهم...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان البحر الاحمر فسيفساء تتجاور فيها التجارب

 علاء المفرجي في دورته الخامسة، يتخذ مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي شعار «في حب السينما» منهجًا له، في سعيه لإبراز هذا الشغف الكبير والقيمة العليا التي تعكسها كل تفصيلة وكل خطوة من خطواته...
علاء المفرجي

لمناسبة يومها العالمي.. اللغة العربية.. جمال وبلاغة وبيان

د. قاسم حسين صالح مفارقة تنفرد بها الأمة العربية، هي ان الأدب العربي بدأ بالشعر أولا ثم النثر، وبه اختلفت عن الأمم التي عاصرتها: اليونانية، الفارسية، الرومانية، الهندية، والصينية.. ما يعني ان الشعر كان...
د.قاسم حسين صالح

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

جورج منصور في عالمٍ يتسارع فيه كلُّ شيء، ويكاد الإنسان أن ينسى نفسه تحت وطأة الضجيج الرقمي والركض اليومي، يظلُّ (معرض العراق الدولي للكتاب)، بنسخته السادسة، واحداً من آخر القلاع التي تذكّرنا بأن المعرفة...
جورج منصور
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram