فخري كريم
فقدان آخر يخفي أثر شاهد موضوعي على زمن ظل يعد بآتٍ مختلفٍ مرتجى، فلاحقته الخيبة وساكنته الشكوك.
رحل قيس العزاوي بعد أن أجبره المرض القاتل على العزلة والصمت المُمِض مُجنباً الأصدقاء مشاركته الإحساس بما يعانيه. وقبله بأقل من أسبوعين سبقه جابر عصفور زميله في الصالون الثقافي الذي بادر لإطلاقه في القاهرة وحشد له نخبة من كبار المثقفين في مصر والعالم العربي.
لم يكن رحيلهما مجرد فقدان يؤشر لحياةٍ انتهى رصيدها في الوجود، بل شكل إمعاناً في التذكير بنهاية حقبة لماضٍ كان حمال أوجه: عقود من الاستبداد وانتهاك الأماني، وتبدد الأحلام وتكفيف قوى التغيير، مع تشبثٍ بأملٍ يلازمه الاستعصاء.
غياب صديق آخر، يرمز هذه المرة لصداقاتٍ انطوت على نفس تناقضات الحقبة الواعدة المستلبة. على صعيد اختيار المسار المفضي للتغيير دون أن يخدش المسار جوهر الصداقة .
رحل العزاوي دون أن يستنفد كل رصيد آماله وأحلامه وطاقة عطائه وتشبثه بالأمل في عراقٍ ديمقراطي تصبح المواطنة فيه أساس بنائه ومبناه.
لم يترك لي قيس هو الآخر فرصة وداعه، إذ لم يشأ أن يحبط ما تبقى لي من أمل، وأنا أتابع انكساره ووجعه الجسدي أمام بطش آفة المرض وقسوة الاضمحلال رغم المقاومة وتحدي الموت، أمام سطوة العدم والفناء …
هل كان قدرنا أن نواجه مصائرنا، مشتتين في المنافي وملاذات اللجوء، عاجزين عن تحقيق ولو مُرادنا في أن نودع من نحب؟ …
وداعا قيس وأنت تمضي إلى حيث لا مكان للعصبيات التي خربت دنيانا ونحن نحمل وزر وطن مبتلى نتعثر على طريق استعادته معافى ..