محمد سعيد الصكارمن يظنّ أن ظاهرة توزيع الدروع التكريمية للأفراد المتميزين، والمنظمات المدنية، وربما المؤسسات الرسمية التي شاعت في أيامنا، عملية ساذجة، ومغالطة، وغير ذات أهمية، بعد كثرة شيوعها إلى حدّ يتطلب من المسؤولين التفكير بإنشاء جهة رسمية تشرف على إنتاجها باعتبارها حالة استثمارية جديدة تدرّ من الأرباح المضمونة ما يفتح اللهاة لكثرة ما يُنتج منها،
ويُهدى للرائح والغادي، ويوفر مورداً لا بأس به لميزانيتنا المتأرجحة بسبب البذخ الماشي على أساس (كله من جيب الخليفة)، سيما وأن إنتاجها صناعيا خفف الكلفة التي كانت ستكون من حصة الصفافير الذين كسدت بضاعتهم وتقلصت إبداعاتهم بعد أن حاصرتها المنتجات السريعة ذات النظافة والجمال الصناعي الذي لم يكن يتوفر للصفارين، وإن كان أثمن.أقول؛ إنّ من يظن أن ذلك يأتي اعتباطاً ووفق مزاج المانح لهذه الدروع؛ غلطان!ذلك لأن للمانح فلسفة خافية علينا، نحن الذين نحسن النوايا، ونظن أن للدرع الممنوح مكانة رفيعة تفتح مغاليق الأمور، وتهيء للممنوح سمعة وجدوى، شأنها شأن الأوسمة ذات المزايا العملية، وننسى أنها، في الواقع ستركن إلى جانب (خردوات) البيت، يأكلها الصدأ والغبار، وستذهب، كما أتت، دون ضجيج ولا اعتبار؛ بل ربما كانت موضع استخفاف ونقد لاذع من متصيدي الخطايا وكاشفي النوايا الذين يوجهون سهامهم ورماحهم إلى مانحي هذه الصحون المعدنية العديمة القيمة.إذن؛ فالحكمة في هذه الدروع ليس الإعتراف بفضل حامليها، وإنما اتّقاءاً لسيوف النقد اللاذع التي تتطلب دروعاً لصدّها، والتوقي من آثارها، درءاً للفضائح، واتّقاءاً لما يذكر بها ويثير المشاكل بشأنها؛ وإلا لكانت سيوفاً مثلما يتبادله الملوك والرؤساء.فالدرع، بعد؛ نصف الهزيمة التي نسميها (دفاعاً)، وكان الأحرى أن تكون (هجوماً)، ولو بسيوف من قصب، على ما نستحيي منه من ممارسات وعلاقات ودناآت كانت مطمورة وانكشفت، واستحقّت بأن نتوقاها بالدروع.والمضحك في الأمر أن أكثر من يُكرّم بالدرع ليس من ذوي العضلات والمبارزات واستعراض الشجاعة، بل ربما كان يحرجهم بعض الشيء لأنهم من طينة وادعة لا تتعاطى الهجوم والدفاع في غير مجال الفكر والتأمل، ولذلك فهم يركنون هذه الدروع في مواقع لا تراها العين في بيوتهم، فتّهمَل وتصدأ.فكلها لصدّ رماح النقد والإستخفاف بالشخص المدرّع على مبدأ(ادفعها بقصبة).تصوروا أن درعاً تكريميةً من هذا النوع الفارغ من أي معنى، تُمنح لزها حديد أو رفعة الچادرجي أو محمد مكية. أو مظفّر النواب أو سعدي يوسف أو شيركو بيكس أو فرحان باقر أو يوسف العاني أو كاظم الساهر أو ناهدة الرماح، أو سواهم ممن يمنحون الدرع قيمة ليست فيها، ولا يجدون لها محلاً في رفوف مكتباتهم يتكافأ بها جمالياً ودلالياً.ولا أدلّ على ذلك من كثرة (الدروع) التي توزّع على المكرّمين في ميادين انشغالاتهم، اعترافاً من المسؤولين بكون ما يمنحونه من هذه الدروع سيكون موضع نكتة يتداولونها في مجالس لهوهم وتبادل مداعباتهم على (الايميلات) التي يقضون أمامها أكثر مما يقضون في دوامهم الرسمي. ولعلمهم بكثرة سهام النقد التي ستتناولهم، فهم يوزعون تلك الدروع إتّقاء ذلك.والحق أن كثيراً من المدرعين جديرون فعلاً بالتكريم، ولكن ليس بهذه الطريقة البائسة، وهناك أكثر من وسيلة غيرها تبعث على الإعتزاز والحفاوة؛ وعلى المسؤولين البحث عن مبتكرات ذات قيمة، من قبيل تدوين إنجازات المكرمين على أقراص توزع بين الناس مجانا، مع حفظ الحقوق الفنية والقانونية للمكرمين، والمكافأة المجزية لهم.الدروع... الدروع.. فالنقاد المشاكسون على الباب، والمكرمون أرفع قدراً من أن يعاملوا بهذه السذاجة؛ والوقاية خير من العلاج !mohammed_saggar@yahoo.fr
فلسفة الدروع التكريمية
نشر في: 19 يونيو, 2010: 04:47 م