علي حسين
كنت أنوي الكتابة عن المرحوم "ثربانتس" بمناسبة مرور أكثر من أربعة قرون على صدور ملحمته الروائية "دون كيخوته" ونقرأ في الأخبار أن الإسبان يحتفلون بالفارس الهزيل وحصانه مثلما يحتفلون بنجوم كرة القدم، فلا يزال هذا الفارس الذي قرر أن يحارب طواحين الهواء يصر على أن يعلم.
في كل مرة وأنا أتابع ما يجري في بلاد الرافدين!! أتجه بنظري إلى رفوف الكتب لأبحث عن حكاية دون كيشوت وحصانه الهزيل، لأسأل نفسي كم من التأويلات تتحمل حياتنا ونحن نسمع ونشاهد شخصيات تصف نفسها بالسياسية لا تريد أن تغادر مكاسبها ومناصبها، وتنشغل بتأمين مقاعد الوزارات والهيئات المستقلة لأصحابها وأحبابها، هؤلاء، ونحن معهم، متورطون حتى النخاع في خراب العراق وتمزيقه وتخلفه، كلّنا مشاركون، كلّنا جزء مما يسمى مهزلة حكومات التوافق. كم من التأويلات يقبل دون كيشوت؟، وكم من التأويلات تقبل مدينته "لامانتاشا" ساحة معاركه الخيالية؟، إن جرثومة البطولة الزائفة حين تناولها ثربانتس كفت عن كونها مجرد خيالات وأوهام، إنها تبلع العقل وقد تفتك به، مثلما فتكت بالفارس الهمام دون كيشوت، وحين يعم الوهم يزحف الخراب على المدن والبشر، حاول ثربانتس أن يعبث في الطرح، فقد كانت الحقيقة مرة دائماً، لأنّ الشرّ لا يريد لخطواته أن تغادر الأرض، يحمل أسماء كثيرة، ويتخذ صفات عدة، لكن له غاية واحدة هي السخرية من طموح الناس البسطاء، وتطلعهم إلى الخير والمحبة، الذين يعتذرون بانهم يمارسون السذاجة ..هل هناك مسؤول عراقي يعترف بأن اللغة العربية تضم مفردة اسمها "اعتذار" وإذا تمكن يوماً من معرفتها فهل يفكر في استخدامها؟ هل هناك مسؤول سياسي يشعر بأن عليه أن يعتذر؟، وإذا قرر هل يفكر في الاستقالة؟، هذا في عرف سياسيينا أقصى حالات التطرف، فالعاقل من يمسك بالمنصب بيديه وقدميه وأسنانه، يعاونه طبعا شلة من المنتفعين والانتهازيين. في الأمم الحية نُفاجأ كل يوم بكل ما هو مدهش، ففي اليابان نجد بعض المسؤولين يقتلون أنفسهم لأنهم لا يستطيعون مواجهة الناس والمجتمع بعد فشلهم في أداء ما هو متوقع منهم، أو افتضاحهم في قضايا فساد، وفي بريطانيا لا يزال رئيس الوزراء بوريس جونسون، يصارع للبقاء في منصبه، بينما تتصاعد الأصوات المطالبة باستقالته حتى من داخل حزبه الحاكم، وذلك بعد إقراره بحضور حفل أقيم في حدائق مكتب رئيس الوزراء ، حينما كانت تدابير الحجر للوقاية من وباء فايروس كورونا، ورغم أن الرجل قدم أكثر من اعتذار وأن عددا من مساعديه قدموا استقالاتهم، فأن حزبه "حزب المحافظين" يعاني من التصدع بسبب هذه الفضيحة، لو تمت محاسبة مسؤولينا وسياسيينا حسب هذه القاعدة لاختفت طبقة السياسيين من البلاد.