TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: ثقافة المنحة

العمود الثامن: ثقافة المنحة

نشر في: 20 يناير, 2022: 12:22 ص

 علي حسين

جميل أن تنتفض وزارة الثقافة بين الحين والآخر وتذكّر الأدباء والفنانين ومعهم الإعلاميين ، بانها منحتهم أموالاً من ميزانيتها الخاصة، ولهذا عليهم أن يقفوا على أبوابها ليتلقوا "الهبة" العظيمة التي ستغنيهم من الجوع، وتحميهم من التشرد، لكن ان عليهم ان يحفظوا هذا الجميل !.

إن أسوأ ما ابتليت به حياتنا هو ذلك النمط من المثقفين الذين يتحدثون في الفضائيات عن قيم الحرية والمساواة ويناضلون، فضائياً، ضد الانتهازية، لكنهم يتسللون خفية و"يتسلقون" لاستلام عطايا الدولة، يصدعون رؤوسنا بأحاديث عن استقلالية المثقف، ثم لا يتورعون عن التقاط صورة مع سياسي " لفلف الاخضر واليابس " .

حاول سارتر في كتابه "دفاعاً عن المثقفين"، الذي صدر عام 1965، أن يعطي تعريفاً للمثقف: "إن ما يجعل من فردٍ ما مثقفاً هو قدرته على تجاوز الحقل الضيق لاختصاصه، المثقف هو الشخص الذي يتدخل في ما لا يعنيه، ويمتلك القدرة على الجهر بالحقيقة".

أتذكر سارتر وأنا أرى صمت المنظمات الثقافية، التي ظلت تُمني النفس بأن تبادر الحكومة إلى إعادة منحة المثقفين، والتي لا تتجاوز قيمتها الخمسين ألف دينار شهرياً، في الوقت الذي نهب فيه "ساسة الصدفة" ما يقارب التريليون دولار عداً ونقداً. ففي الوقت الذي تسعى فيه الأحزاب الحاكمة إلى إشاعة ثقافة الجهل والخراب، يسعى الذين يَحسبون أنفسهم على خانة الثقافة إلى مغازلة المسؤول من أجل الحصول على عطاياه، إن كانت منحة، أو وظيفة، أو سفرة، أو حتى، مجرد وليمة دسمة. باختصار هذه المنظمات هي شكل من أشكال الفساد الذي نما وترعرع برعاية النظام السياسي.

سيقول البعض حتما يارجل صدعت رؤوسنا بسارتر الذي كان يعيش في بحبوحة ، واعتذر لانني انسى احيانا ان في هذه مئات المثقفين الذين قدموا نموذجا للمثقف الحقيقي ، وكان علي الورد واحدا منهم حين اصر أن يفجر أسئلة كثيرة حول الثقافة والسياسة والمجتمع والطائفة والدين ، رافضا الخضوع للمؤسسات الثقافية الرسمية ، وكما تحدث للسيدة ابتسام عبد الله في برنامجها الشهير "سيرة وذكريات" الذي كان يقدم في الثمانينيات من انه ظل مصرا على مناقشة الخرافات التي تعشعش في المجتمع فكان لابد ان يخرج لنا بكتاب صادم بعنوان "وعّاظ السلاطين".

أنا من جانبي أصاب بحيرة كلما أقرأ كتب علي الوردي، لكنها لم تصل إلى حد حيرتي وأنا اشاهد ما يجري من اهانة لمثقفين دفعتهم الحاجة والعوز الى الوقوف ساعات من اجل مبلغ شهري لا يكفي لوليمة غذاء " . والآن دعونا نتساءل : لماذا لا يتحلى منظمو مهرجان " المنحة بقليل من الرحمة إزاء هذا المثقف المسكين الذي يطلب منه دوما أن يتغنى بالوطن ، في الوقت الذي تذهب فيه خيرات هذا الوطن الى جيوب السراق ؟ .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. Anonymous

    الوضع السياسي والثقافي واامجتمعي كله تحت صفر الانهيار ياعزيزي .. عن أي مثقف نتغنى ! وعن اي سياسي نمجد ! اختلط الحابل بالنابل والقلب تقيح وتسممت جروحه .

  2. Khalidmuften

    منحة الذل والهوان قياسا لمادبة الكباب المليونية للمحافظ النصراوي الذي خمط الكلب والجلاوي .

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

 علي حسين دائما ما يطرح على جنابي الضعيف سؤال : هل هو مع النظام السياسي الجديد، أم جنابك تحن الى الماضي ؟ ودائما ما اجد نفسي اردد : أنا مع العراقيين بجميع اطيافهم...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان البحر الاحمر فسيفساء تتجاور فيها التجارب

 علاء المفرجي في دورته الخامسة، يتخذ مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي شعار «في حب السينما» منهجًا له، في سعيه لإبراز هذا الشغف الكبير والقيمة العليا التي تعكسها كل تفصيلة وكل خطوة من خطواته...
علاء المفرجي

لمناسبة يومها العالمي.. اللغة العربية.. جمال وبلاغة وبيان

د. قاسم حسين صالح مفارقة تنفرد بها الأمة العربية، هي ان الأدب العربي بدأ بالشعر أولا ثم النثر، وبه اختلفت عن الأمم التي عاصرتها: اليونانية، الفارسية، الرومانية، الهندية، والصينية.. ما يعني ان الشعر كان...
د.قاسم حسين صالح

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

جورج منصور في عالمٍ يتسارع فيه كلُّ شيء، ويكاد الإنسان أن ينسى نفسه تحت وطأة الضجيج الرقمي والركض اليومي، يظلُّ (معرض العراق الدولي للكتاب)، بنسخته السادسة، واحداً من آخر القلاع التي تذكّرنا بأن المعرفة...
جورج منصور
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram