ستار كاووش
لكل بلد عاداته وتقاليده التي تناسب طريقة تفكير أهله ورؤيتهم للحياة. بعض هذه العادات إعتيادية ومُتَوَقعة، وبعضها الآخر غريبة ولا يمكن توقعها أو التكهن بها. ومن التقاليد الغريبة، ما يحدث في هولندا تحت تسمية (لصوص نهاية السنة)،
وهؤلاء اللصوص لا ينشط عملهم سوى في رأس السنة. ويتكون هؤلاء من مجموعات تتوزع في الاراضي المنخفضة، وخاصة في شمال البلاد، ويقومون عادة بسرقة شيء شهير ومعروف للجميع، لكن الغريب في الموضوع هو إنهم يعيدون ما سرقوه الى مكانه من جديد بعد يوم أو يومين من الإستيلاء عليه. إنها واحدة من دعابات هولندا التي يهدف من خلالها هؤلاء اللصوص الجميلين أن يثيروا إهتمام الصحافة لشيء ما أو لتوجيه إهتمام الرأي العام نحو قضية معينة.
كل جماعة من هؤلاء لها إسم معين، وعادة ما يكون هذا الإسم طريفاً وربما مضحكاً، كجماعة (كرات الزيت) وجماعة (عدائي الليل) وغيرها الكثير. ويَعقدُ هؤلاء الظرفاء إجتماعاتهم في شهر اكتوبر عادة، لتقرر كل جماعة بطريقة سرية ما ستقوم به، دون علم أي شخص خارج المجموعة. وقبل ذلك كانوا قد هيئوا أنفسهم بشكل جيد، حيث إنشغلوا طوال السنة بفتح عيونهم وآذانهم لكل ما يحدث في البلاد، لتتفق بعدها كل جماعة بشكل منفصل على ماهية الشيء أو الفكرة او الحاجة التي ستتم سرقتها من مكان محدد في هولندا، ثم تذهب (المجموعة) ثلاث مرات لمعاينة المكان وتفاصيله سراً، وهذه المعاينات تتم ليلاً في الغالب أو في وقت متأخر من المساء، وهناك يفكرون بالحلول التقنية التي تساعدهم في مهمتهم، مثل كيفية فتح هذا المسمار أو فَك ذاك الرابط؟ كيف سيتم التعامل مع الأشياء الثقيلة؟ وما هي الأدوات التي يحتاجونها وأين سيوقفون شاحنتهم؟ والكثير من التفاصيل التي تتعلق بالسرعة والوقت والتقنية. والعملية تحتاج الى شباب يتمتعون ببعض الوقاحة، لكنهم في ذات الوقت ليسوا مشاغبين ولا يحطمون الحاجات أو الممتلكات العامة والخاصة.
في مقاطعتنا توجد جماعة من هؤلاء الظرفاء تتكون من سبعة عشر عضواً، ويمكن أن ينتمي اليهم أي شخص جديد شرط أن يكونيكون لصاً ظريفاً ولطيفاً ومهذباً، وقد قاموا نهاية السنة الماضية بسرقة تمثال كبير للمغني الشهير أندريه هاسيس الموجود في ساحة الدام وسط أمستردام وجلبوه معهم الى شمال هولندا، بعد أن تركوا ورائهم رسالة تخبر صاحب المقهى الذي يطل على التمثال، بأن مجموعتهم هي التي قامت بسرقة التمثال، وسيعيدونه بعد يومين مصحوباً ببعض الهدايا التذكارية وبعض معجنات الشمال. وبعيداً عن سرقاتهم اللذيذة ، فهم يقومون بأعمال خيرية عديدة ونشاطات إجتماعية مختلفة، يزورون المرضى وكبار السن ويقدمون لهم الهدايا والزهور، كذلك يوزعون ألعاباً على الأطفال في مناطق متعددة من هولندا.
لا يمكني سوى أن أضحك، وإنا أستعرض أنواع السرقات الظريفة التي حدثت في السنوات السابقة، ففي إحدى المرات قاموا بسرقة نصب يمثل كوب قهوة كبير، تابع لشركة (داوه أخبرس) الشهيرة لصناعة القهوة، ومرة أخرى سرقوا سيارة فرمولا واحد حمراء اللون من ألمانيا وجلبوها معهم لأنهم يطالبون بنقل سباق السيارات الى شمال هولندا، بينما واحدة من الجماعات قامت بسرقة تمثال متسابق السيارات ماكس فيرستابل من شركة ريد بول الممولة للسباق وتركوا ورائهم في ذات المكان قصيدة صغيرة حول ماكس ذاته، لكن هذه السرقة لم تكتمل بشكلها النهائي، لأن الشركة المنتجة كانت في ذات الوقت بحاجة للتمثال لأنها بصدد التحضير لمعرض مهم عن ماكس، لذا قرر (عداؤوا الليل) إرجاع التمثال بعد إجتماع سريع إكدوا فيه إن المعرض أهم من نجاح السرقة.
وهكذا يسرقون أشياء لم تخطر في بال إحد، كما قاموا ذات مرة بسرقة تمثال البقرة الضخم الذي وُضعَ قربَ بوابة أحد مصانع الحليب، كذلك سرقوا نصب لكرة قدم كونكريتية ضخمة تابعة لإتحاد الكرة الملكي، وفي إحدى المرات سرقوا تمثال لينين من مؤسسة هولندية كانت قد إشترت التمثال من روسيا، لتجيبهم جماعة أخرى وتسرق تمثال غورباتشوف من متحف الشمع، وجماعة أخرى كانت عاطفية أكثر، لذا سرقت كرافان شهير يعود للبرنامج التلفزيوني المتجول والمعروف (الجميع بحاجة للحب) وجماعة إخرى أرادوا ان تكون سرقتهم أكبر من ذلك الكرفان، لذا سرقوا تمثال معروف إسمه (كاوس صاحب الشارب الطويل) وهو بإرتفاع أربعة أمتار، وجماعة أخرى لم تتوقف عند هذه الحجوم، لذا سرقوا طائرة حربية من قاعدة عسكرية ( وهذه السرقة كانت بالاتفاق مع المسؤولين لأنها تحمل بعض الحساسية وربما الخطورة) وأتذكر كيف جلبوا الطائرة الى مدينة دراختن التي أعيش فيها، وهكذا شملت السرقات كل التفاصيل والأشياء حتى الرياضة كما فعلت واحدة من المجموعات وسرقت من أمستردام النصب الكبير للحلقات الأولمبية. لكن تبقى أطرف سرقة لهم هي سرقة كرسي حاكم مقاطعة فريسلاند، والذي ذهب الى عمله في بداية السنة ولم يجد ما يجلس عليه، وفي مكان الكرسب وجدَ ورقة كُتبَ عليها (صباح الخير أيها الحاكم، الكرسي موجود لدينا، تدبر وضعك مؤقتاً وسيصلك الكرسي سالماً يوم غد).