TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > قضية انتحار عبد المحسن السعدون في عام 1929

قضية انتحار عبد المحسن السعدون في عام 1929

نشر في: 20 يونيو, 2010: 04:39 م

في عام 1928 حينما كنت رئيساً للمجلس النيابي في دورته الثالثة بدأت وزارة عبد المحسن السعدون تسعى لتعديل الاتفاقيات المتصلة بالمالية والعسكرية من المعاهدة العراقية البريطانية المعقودة عام 1927 فلم تتمكن من اقناع دار الاعتماد بهذا التعديل، فاضطرت الى تقديم استقالتها في 20 كانون الثاني 1929 فوافق الملك على قبولها وطلب منها ان تدير الامور وكالة حتى يتعين خلف لها.
وبعد ثلاثة أشهر تقريباً كلف السيد توفيق السويدي بتشكيل الوزارة ودخلت معه في وزارة الداخلية واصبح عبد المحسن رئيساً للمجلس. وبعد انقضاء الدورة سافر الى مصيف برمانا (لبنان) – للاستجمام،  وبعد مرور شهرين على غيابه طلب مني الملك فيصل وكلفني ان اكتب كتاباً الى عبد المحسن استدعيه الى بغداد.. وكذلك كلف صفوة العوا مرتين باستدعائه.. اما انا فقد كتبت له كتاباً  وبلغته رغبة الملك. وفي تاريخ 17 اب من السنة المذكورة رجع عبد المحسن الى بغداد وانتشرت الاخبار عن تأليف وزارة جديدة برئاسته على اثر تصريح بريطانيا بقبول العراق في عصبة الامم عام 1932.. وفي يوم 19 ايلول عام 1929 شكل السعدون وزارته من السادة المحترمين: ناجي السويدي للداخلية، وياسين الهاشمي للمالية ومحمد امين زكي للاشغال والمواصلات، ونوري السعيد للدفاع، وعبد العزيز القصاب للري والزراعة، وناجي شوكت للعدلية، وعبد الحسين الجلبي للمعارف. واجتمع الوزراء المذكورون في دار الرئيس وتذاكروا في منهاج الوزارة وقرروا اهدافه ومبادئه، وها انا ادرج نصه بعد انتهاء هذا البحث لاطلاع الشعب عليه بصورة واضحة فهو لم ينشر قبلا ولم يعلم الشعب حقيقته. وحينما علم الانكليز بمنهاج الوزارة اخذوا يعارضون بكل شيء ويطلبون من الوزارة تنفيذ المستحيلات كتمديد عقود الانكليز او تجديدها وترفيع بعضهم وتبديل وتغيير بعض الموظفين العراقيين ومدراء الادارة او مأموري المالية. وصاروا يعاكسون الادارة، بكل شيء والوزارة تقابل اعتراضاتهم بصبر وحكمة وصارت امور الدولة المهمة بين المد والجزر.. فدار الاعتماد من جهة، والوزارة من جهة اخرى، والملك بينهما يعاني الصعوبات ومقابل ذلك كله الشعب الذي يطلب المزيد من الاستقلال ، وفعلاً سارت الوزارة في تنفيذ خطتها بدون تردد.. فمن ذلك وظيفة مستشار مدير الزراعة البريطاني الذي بلغ راتبه اكثر من الف وخمسمئة روبية مع انه لم تكن لديه شهادة  دراسية تستحق ذلك.. وكذلك راتب المستر كرايز الذي كان قبلاً مأمور طابعة ومستشار وزارة الري المستر (ألارد) الذي اعترض على الغاء المشتريات بواسطة وكلاء التاج. ثم الغاء بعض الدوائر الزائدة كدائرة الاملاك ودائرة الرستمية ووكالة القيادة العامة وغيرها من المؤسسات التي لم يسبق ان ذكرت في المناهج السابقة حيث كانت المناهج الوزارية تعرض على دار الاعتماد وعلى البلاط قبل اقرارها ونشرها.. اما هذه الوزارة فلم تعلن منهاجها في الصحف عند تشكلها حسب العادة بل اشار رئيس الوزارة الى بعض نقاطه في المجلس النيابي عند مناقشة خطاب العرش في جلسة مجلس النواب الثالثة المنعقدة في 11 تشرين الثاني عام 1929 فاخذ النواب كمحمد زكي المحامي وجعفر ابو التمن ورشيد عالي الكيلاني يستوضحون ويستفسرون من الرئيس وهو يجيبهم باللين والهدوء حتى قام النائب معروف جياووك وقال له بالنظر لهذا المنهاج يظهر بأنكم تقصدون احداث الثورة في البلاد. فتأثر الرئيس من هذا الاتهام واراد ان يجيبه بشدة وقال لمن كان في جانبه من الزملاء: لازم اصرح الان واجيب هذا الجاسوس الانكليزي.. فمسكه ياسين الهاشمي الذي كان جالسا بجنبه وانا كنت بجنب ياسين فشاركته في التهدئة ومنعناه من ان يجيبه بهذه الصراحة فهدأ واستمر يجيب المعارضين بالحكمة والحسنى وان انتقادات النواب واجوبة الرئيس عليها نشرت في محضر جلسة مجلس النواب المذكورة اعلاه. في يوم 12 تشرين الثاني عام 1929 كان الملك فيصل قد أولم وليمة على شرف مستشار الداخلية السيد كنهان كورنواليس بمناسبة ختام اجازته وعودته من لندن. وكنت مدعواً لهذه الحفلة ولكن اصابني زكام شديد منعني من الدوام الرسمي ومن الحضور في هذه الحفلة. وفي اليوم الثاني أي يوم 13 تشرين الثاني جاءني المرحوم عبد المحسن الى داري قبل غروب الشمس وسالأني عن اسباب غيابي عن حفلة الملك ولما رآني مزكوماً عذرني واخذ يحدثني بما جرى له مع كورنواليس في حفلة الملك حيث انتحى به في ركن من اركان الصالون وكلمه عن السياسة العراقية البريطانية واخبره بانه عندما عاد للعراق شاهد تبدلاً كبيراً في سلوك الحكومة وسياستها وانه مستغرب هذا وان عبد المحسن اجابه بأنه قد تعب جداً من الركض وراء وعود الانكليز وعهودهم التي لم تلمس البلاد منها فائدة ترضي الشعب العراقي وان الانكليز حريصون على تنفيذ مطاليبهم وتحقيق مصالحهم. اما مصالح الاخرين فلا يعيرونها ادنى اهتمام وقد طال البحث والجدل بينه وبين كورنواليس تقريبا ساعة. وفي الاخير صرح كورنواليس بان السياسة الانكليزية لم تتبدل ولايوجد في الوزارة الانكليزية اية نية لتغيير سياستها في العراق الان.. وقال السيد عبد المحسن السعدون وبعد هذه التصريحات التي سمعتها من كورنواليس فارقته ولم ارد عليه وعند خروجي من الصالون مررت على الملك فسلمت عليه واخبرته بما دار بيني وبين كورنواليس من الابحاث وما صرح لي ب

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Ravan

    روعە

يحدث الآن

افتتاح أول مستشفى حكومي في بغداد منذ 40 عاماً

لجنة نيابيّة لـ(المدى): ملف الكهرباء "شائك" ولا بديل عن الغاز الإيراني

الموت يخطف احد كوادر المجلس العراقي للسلم والتضامن

كاساس: بطولة الخليج ودية وفائدتها التعرف على اللاعبين الشباب

العراق يودع خليجي 26 بخسارة ثقيلة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram