طالب عبد العزيز
إذا كان السؤال العدمي، والتقليدي جداً، ما جدوى الحياة ؟ والذي ربما يكون قد أثير في اليوم الأول لوجودنا على الارض، أو عقيب موت جدّنا الأعلى، وما زالت الاجابة عليه مستحيلة، حتى بتنا نسخر من انفسنا، ونسخّف الحياة بموجبه ..
فحريٌّ بنا أن نسأل السؤال الذي لا يقل أهمية عنه، ألا وهو جدوى ما نكتبه، ونحرص على ايصاله، في عالم ينحدر كلَّ لحظة الى نهايته المحتومة، خارج إرادتنا، أو بعجز أكيد في قدرتنا، ترى، أيكون لوجودنا هذا معنى؟ ولماذا نستيقظ كل يوم ظانّين بأنَّ طارئاً ما سيحدث، يعبث بفيزياء الوجود، سيعمل على تغيير يقيننا ذاك.
نذهب للطبيب، ونتوسله بإيجاد وسيلة ما لعيش يوم آخر، وإذا يئس منا تضرعنا الى السماء، باحثين بين يديها عن أمل محتمل، وإذا عزَّ عليها ذلك، حملنا حقائبنا وسرنا الى الاضرحة البعيدة، بقبابها الصفر والزرق نتوسلها رغداً وطمأنينةً، وإن لم تنفعنا بشيء خرجنا الى الشارع، رافعين يافطات الاحتجاج، مطالبين بوضع حدٍّ لتلوث البيئة، مع علمنا بعجز الجميع عن تسوية ما نعاني منه، هناك من يسعى في داخلنا لهدم كل شيء، يقف بمعوله الكبير، رافعا ذراعيه، لا يأبه بما في صدورنا من الشعر والألوان والكلمات والموسيقى، هو ماض لا يستوقفه أحد، شعاره أنْ لا شيء سيحدث بموت بائع الفشار الوحيد.
ولعله سيقول بأنَّ الارض ستظل تدور، وإن ضلَّ طريقه سائقُ باص المدرسة الاخير، سيجد الصبية الجادة الى مقاعدهم ثانية هناك، وسيرتفع المدُّ كما لو انه لم يكن البارحة نزراً، ولا شيء سيحدث أبداً، إذا ما سقط الثلج كثيفاً على الجبل، ونفقت الماشية، وطال انتظار حارس الزريبة، فستشرق الشمس، وإن ظلت حبيسة الغيم ثلاثة أسابيع أخرى، وكما لو لم يحدّثْ نفسهُ بشيء سيطلُّ القمر ثانية، ساخراً من تأففنا، ملقياً بقطعه الذهبية على صفحة الماء، إذْ كل ما في الوجود من حولنا دائرٌ في حلقة القُدوم والمُضيّ، الوصل والغياب، الوضوح والايهام، وما أضعناه هناك، سنعثر به هنا، في طريق عودتنا من المتنزه، أو من مجلس العزاء، وفي ما نفرح به ونبكي عليه، وبذات العين والانف سنبصرُ ونشمُّ ما كان بين أيدينا بالامس، وما نبحث عنه اليوم.
كل ذهاب لا يغير شيئاً، وكل إيّاب كذلك. سياتي من يطرق بابَ الأسئلة الكبرى، الباب الذي أغلقه الحارس الكبير، وستعزُّ الاجابة عليه، الاجابة البسيطة تلك سيبتلعها كهف مظلم، لذا، سيجد أحدهم المطرقة، لكسر القفل، وسيصطدم مثل نيزك جديد بمحيط الارض، فيوقف وللحظة واحدة لا أكثر الرَّجَّة الكبرى تلك، لكن، مثلما أعاد البنّاءُ الكهلُ أعمدة محطة القطار، قبل مئة سنة، سياتي بنّاء أخير أيضا، يوسع من محيط القبّة، طمعاً بمزيد من النجوم، وسيعيدها، كما لو لم تسقط آجرّة منها. كلُّ نفوق لن يكون الاخير. هذه النسمة الباردة التي تخطف روحك، لن تكون الأخيرة، ومثلها الخطوات هذه، التي أنفقها الميت الى المقبرة، لن تكون الأخيرة ايضاً .
هناك من سيعمل على دوران تروس ماكنة الضوء التي توقفت، وهناك من يزرق الحقنة الأخيرة في جسدك الذي سيجمد بعد قليل، فمنطق اللامعنى باق، وهذا العبث الكوني هو قانون الوجود الاخير، أنا باق لانني سازول، لكن، أنظرْ ، كما لو أنها بمعانٍ لا تعدُّ تبحثُ يدي عن عذرٍ لعناقك.
جميع التعليقات 1
عدي باش
رغم كل شيء سيبقى دولاب الحياة يدور لينثر الحب و السلام و الطمأنينة .. ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل