علاء المفرجي
«أخبار الأيّام» الكتاب الوحيد الذي كتبه بوب ديلان، الفائز بجائزة نوبل للآداب عام 2016، والتي تُمنح للمرّة الأولى إلى شخصيّة موسيقيّة، فضجّ الوسط الأدبيّ في العالم بين معترض ومندهش.
كتب ديلان أغانيه بنفسه طوال خمسين عامًا، فكان سبب منحه نوبل هو أنّه، فيما كتبه من أشعار غنائيّة «ابتكر تعابير شعريّة جديدة داخل التقاليد الغنائيّة الأمريكيّة العظيمة».
دُعي ديلان في الستينيات صوت الجيل الجديد، فكان المتظاهرون الأمريكيون للمطالبة بحقوق الناس والكفّ عن الحرب، يرفعون كلماته عاليًا في وجه الأنظمة. لقد كتب أغانٍ تحمل في عمقها إشارات فلسفيّة وشعريّة، وهمومًا ثقيلة إجتماعيّة وسياسيّة، وروحًا قطّرها من أرواح سابقيه من مغنّي البلوز والروك-آند-رول والكنتري والجاز والفولك، والشّعراء الكبار أمثال تي إس إليوت، وإدغار آلان بو، وبودلير، والقاصّين مثل هوغو، وبلزاك، وغوغول. لقد أصدر أسطوانة كاملة مستوحاة من قصص تشيخوف!
تبدأ مذكرات ديلان هذه في مدينة نيويورك عام 1961، حيث الاحتمالات السّاحرة، والأبخرة المتصاعدة من الأرض، وحفلات الليالي الطويلة الحمراء، والحركات الأدبيّة والفنيّة الوليدة. مَن نعتبرهم شخصيّات أسطوريّة الآن، كانوا يمشون حينئذ في شوارع منهاتن، يلتقيهم بوب الواحد إثر الآخر، يتعلّم أسلوبًا جديدًا من هذا، وتكنيكًا آخر من ذاك، وينام على أريكة في مكتبة صديق، ويستمع إلى أسطوانات الفونوغراف في شقّة عشيقة.
يسرد بوب ديلان الماضي كأنما يطمح لتحويله إلى أغنية ممتدة، تمزج بين عفويتها اللحنية، وانضباطها البنائي الخاص. تصبح صور التفكير وممارسة الحياة وتأمل البشر والوعي بالتفاصيل والأحداث أشبه بالنوتات الموسيقية التي تمثل في تشكّلها وامتزاجها احتمالات لا نهائية لصوت بوب ديلان. «غير أن جون كان رجلاً استثنائياً. لم يكن ينتج تسجيلات غير ناضجة أو يسجّل لفنانين أغرار. كانت لديه رؤية وبصيرة،» يقول في مذكراته: «شاهدني واستمع إليّ، أحس بموهبتي وآمن بما سآتي به في المستقبل. قال لي إنه يراني كشخص أنتمي إلى خط طويل لتقليد ما، تقليد البلوز، والجاز، والفن الشعبي». ثمة شغف طفولي يمكن إدراكه في استدعاء وتشريح الحائز على جائزة نوبل 2016 للشخصيات التي رسمت علاقاته بها مشاهد عالمه الإنساني والفني؛ إذ يبدو كأنه يسترجع أو يُعيد التوحد بتلك النظرة المفتونة أو ذات الحساسية الاستكشافية، التي كان يراقب بها هذه الشخصيات، ويتعرّف إلى تواريخها المتباينة، ويختزن ملامحها ومظهرها وطباعها، وبالضرورة أساليب عزفها وغنائها. كانت تأثيرات هؤلاء البشر، والأطر التي تكوّنت لقاءاته بهم من خلالها أقرب إلى ذخيرة جمالية ستتحوّل إلى أغنية دائمة التشكّل للذاكرة، في مواجهة الزمن، أراد بوب ديلان أن يعطيها في مذاكراته نظاماً سردياً يتيح لها إعادة إنتاج نفسها، أي أن تعثر على أحلامها داخل نطاقات معرفية وشعورية تتخطى طبيعتها الأصلية، فضلاً عن حضورها الرمزي في قصائده وأغنياته. يعتمد هذا النظام السردي على توظيف الإيقاعات المختلفة للعبارات القصيرة والطويلة، والتي تتخللها اتكاءات استطرادية منوعة من المجاز، تُعادل الهارموني الموسيقي بين النغمات الرئيسية والثانوية، وهو ما يشيّد طبقات من الصور الملوّنة بعواطف مختلفة، وإن كانت النبرة الهادئة في المذكرات يمكن الإنصات إليها كحاكم مهيمن بطريقة ما، الأمر الذي ينسجم مع الطابع التقريري لعنوان المذكرات.»
و بوب ديلان عام 1941 هو مغني وملحن وشاعر وفنان أمريكي يتمتع بصوت رائع ومرن، وكان شخصية مؤثرة في الموسيقى والثقافة الشعبية لأكثر من خمسة عقود. والكثير من أعماله الأكثر شهرة كانت من الستينات، وكلمات أغانيه فيها من الحكمة والاحتجاج الشئ الكثير لانه كان من الطبقة العاملة والمضطهدة بأمريكا، كما أن تم استخدام بعض أغانيه كنشيد لحركة الحقوق المدنية للأفارقة الأمريكيون والحركة المناهضة لحرب فيتنام، تميز بغنائه العديد من الأنواع الموسيقية مثل ريف والغوسبل والبلوز والروك.