TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > يا زمان الطائفية

يا زمان الطائفية

نشر في: 16 نوفمبر, 2012: 08:00 م

استوقفني تحقيق صحفي أجرته جريدة "الشرق الأوسط" السعودية  يوم أمس، مع إرهابي كان مسجونا بالعراق وأطلق سراحه مؤخرا. عنوان الحوار يقول "قد يكون الوجود الأميركي أرحم"! شيء يثير الاهتمام حقا أن نسمع بإرهابي عبر الحدود ليقاتل "الكفار"، ويحظى بمكان في  جنة عرضها السموات الأرض، لكنه يعود ليقول لنا بأنه اكتشف أن وجودهم رحمة.
الإرهابي سعودي يدعى عبد الله العنزي عاد إلى السعودية قادما من سجون العراق بعد أن أمضى فيها 8 أعوام. يعترف انه دخل العراق بصورة غير شرعية. ورغم ان الصحفي لم يكلف نفسه عناء المهنية ويسأله عن السبب، إلا أن الأمر في النهاية لا يحتاج إلى سؤال ولا جواب: لقد دخل "ليجاهد". أي ليصنّف البشر، أولا، إلى طوائف: خونة، عملاء، كفار، غلاة، مارقين، شيعة، سنة..الخ. ثم يشتغل في ذبح الجميع، عدا صنفه. وطبعا لن يفوته أن "يتوصى زين" بـ"الغلاة الشيعة أعوان المحتل". هذا ما كان في نية "المسكين" إلى أن دارت عليه الدوائر ووجد نفسه، بحسب ما يروي، واقعا في البئر الذي حفره، ومتلظيا بالنار التي جاء يحملها. فكانت النتيجة أن تعلم درسا مهما: الأميركان ارحم. رغم أن الأميركان الذين قابلهم عسكر وليسوا مدنين. ورغم ما سمعنا، وقطعا سمع هو أيضا، عن ممارساتهم اللاإنسانية في سجن أبي غريب.
تحمل عبارة "المجاهد" السابق إدانة، غير مقصودة منه طبعا ولا من الصحفي، لكل الطائفيين. فالعالم الحديث، عالم الإنسان الفرد، لا عالم الملل والنحل، ارحم وأفضل، وأنقى بالتأكيد. ربما يحتاج الإنسان الى ان يتسلل عبر الحدود ويلقى القبض عليه ويسجن حتى يكتشف أن الإنسانية ولو من "كافر"، أرحم من الطائفية ولو مسلم. لكن الطركاعة الحقيقية أن لا يكتشف هذا الاكتشاف، بعد كل هذه المعاناة. ويخرج طائفيا كما دخل. يلعن كل "الطائفيين" وينسى نفسه.
لقد كان "محظوظا" هذا "العنزي"، الذي بدأ مشوار "حريته" من جديد، بقميص وبنطال على الطراز الأميركي، إذ جاءته فرصة أن ينظف نفسه من وساخة الطائفية. لكنه عاد لبلده طائفيا مثلما كان قبل أن يخرج منه. "وكأنك يابو زيد ما غزيت"
الإرهابي السابق يمني نفسه بالمثول "أمام لجنة "المناصحة" لضبط عدد من المفاهيم التي ما زالت بحاجة الى الإجابة بالنسبة له"، كما يقول التحقيق. فالاعتقاد أن "الأمريكان ارحم"، أزمة فكرية يريد التخلص منها. انه "مس من الشيطان". أنا على ثقة أن أصحاب "المناصحة" سينجحون في "تكويك" عقله وضبطه "ضبط العكال " بعد حقنه بمصل طائفي من نوع آخر يحميه من مكائد الكفار!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. لطيف المشهداني

    تعليقاًعلى ما جاء بمقالة العزيز هاشم العقابي الذي عودنا على التقاط المواضيع وعكسها بأسلوبه المعروف وميله للسخرية في نقده للأمور . وصلني خبر اعتقال احد ابناء عمومتي ( قبل خروج المحتل ) وكما هو متعارف عائلياً اتصلت بأهله للأستفسار عنه ... وأذهلني جوابهم ...

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

جامعة بغداد، منارة العلم والمعرفة في قلب العراق

العمود الثامن: غابات السامرائي

العمود الثامن: عندما يغط البرلمان بالنوم !!

هل سيحول إيلون ماسك الحكومة الأمريكية الى شركة..؟

قناطر: مسلسل معاوية... جرُّ القناعات الى مسلخ الأوهام

العمود الثامن: أحلام الليبرالي الأخير

 علي حسين هل شاهدتم مثلي رائد الليبرالية الحديثة في العراق قصي محبوبة وهو يقف بكل اريحية يقول لأحد مقدمي برامج هذا الوكت الفضائية: "هذا زعيم المجرمين". ولا تعتقد عزيزي القارئ أن رائد الليبرالية...
علي حسين

كلاكيت: الشباب في مهرجان الشباب

 علاء المفرجي بعد ماراثون كبير خاضته بغداد والمحافظات العراقية في أنعقاد المهرجانات السينمائية، والتي كانت تتشابه من حيث شكلها ومضمونها، بل وأخطائها حتما، فكان الفشل عنوانها، أو نتيجة للتسرع في إقامتها. انعقد نهاية...
علاء المفرجي

سوريا: من المأساة إلى الجريمة المضادة.. صيف الطوائف الحارق

أحمد حسن ما جرى ويجري في الساحل السوري، وخاصة في جبلة، يعيد إلى الأذهان أبشع الفصول الدموية التي عاشتها المنطقة، من مذابح الإيزيديين في العراق إلى المجازر التي ارتكبتها الجماعات الجهادية في مناطق النزاع...
أحمد حسن

الطَّائفيَّة.. " لا تَلد الحَيَّة إلا الحَيَّة "

رشيد الخيون منذ عقود والخلاف السّياسيّ أخذ يتلبد بالنّزعة الطّائفيّة بأقصى درجاتها، بين الأديان والمذاهب والقوميات، لكنَّ أفظعه القائم على أساس دينيّ، ومع أنَّ الله واحد للجميع، لكنَّ كلَّ دين ومذهب يتحدث عن إلههِ،...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram