TOP

جريدة المدى > عام > بوريس أكونين ولعبة التاريخ في رواية عزازل

بوريس أكونين ولعبة التاريخ في رواية عزازل

نشر في: 31 يناير, 2022: 11:30 م

حسين علي خضير

تدور أحداث رواية “ عزازٍل “ للكاتب الروسي بوريس أكونين ، في اوائل القرن التاسع عشر، وتحديداً في زمن الكاتب الكبير دوستويفسكي،

ويبدو للقارئ من اول وهلة ان بوريس إكونين واقع تحت تأثير هذه الحقبة، ولكن نصه ملغوماً بالمفاجأة، سيتمكن القارئ من الحصول على بعض المعلومات التاريخية. يبلغ عمر بطل الرواية عشرون عامًا فقط، وهو موهوب جدًا، ويتضح أنه في المستقبل سيصبح محققًا ممتازاً ذا شخصية قوية وشجاعة. تبدأ الرواية بقصة انتحار شاب غريب الاطوار وكان وريث ثروة كبيرة جداً، عند التحقيق في هذه القضية ، يكتشف إراست أن منظمة تقودها امرأة عجوز مجنونة تُدعى الليدي إستر. هذه المرأة تريد السيطرة على العالم. احيانا تبدو ايجابية جداً فهي تعمل في الأعمال الخيرية ، ومن ناحية أخرى ، تبحث عن الأطفال الموهوبين وتعمل على تعليمهم ، وتضع المعلومات التي تحتاجها في رؤوسهم. بعد ذلك، تشجع هؤلاء الأشخاص على تولي مناصب قيادية في بلدان مختلفة. وبالتالي ، فإنها تريد الحصول على السلطة في يديها. اما منظمتها تحمل اسم “ عزازِل “، وتعتقد تلك العجوز أنها من خلال تعليم أطفالها بشكل صحيح، فأنها تصنع منهم سلاحاً سيساعدها في الصراع على السلطة، ولا تتوانى ابداً في ضرب عنق كل من يقف في طريقها.

الرواية مبنية بطريقة غير عادية، ويبدو دائما أن الحل قد اقترب بالفعل، حتى عندما يتم الكشف عن الحقائق، ولكنها تدور في دوامة الأحداث بشكل أكبر ، مما يثير أسئلة جديدة. سيضطر إراست فاندورين إلى المخاطرة بحياته أكثر من مرة بحثًا عن الحقيقة ، الأمر الذي لن يمنعه من تجربة الحب وفقدانه، حتى نهاية القصة، تظل المؤامرة قائمة، وستكون نتيجة الأحداث غير متوقعة للغاية. جميع ابطال الرواية مستقلون في تفكيرهم، البعض منهم طائش والبعض الاخر طموح وغيرهم مفرطون في التفكير.

من خلال قراءتي لهذه الرواية المليئة بالأحداث والتلميحات الادبية والتاريخية وجدت أن الكاتب يعرف جيداً كيف يستغل الوقائع التاريخية ويعكسها في روايته، فقد تطرق إلى مواضيع عديدة، ومن ضمنها موضوع ( العدميين ) الذي ناقشه الكاتب ايفان تورغينيف في روايته “ الآباء والبنون “، ولكنه في هذه الرواية صورهم الكاتب كمنظمة تقوم بأعمال اجرامية، فيقول: (( وأن اولئك العدميين من مختلف البلدان يرفعون بشكل دوري تقاريرهم المشفرة بأرقام إلى مجلس الثوري المركزي عن الأعمال الإرهابية التي قاموا بتنفيذها! )) ( 1 ) ، وايضا حاول الكاتب ان يقحم رواية ( الشياطين ) للكاتب الكبير دوستويفسكي بالأحداث التي تجري بالرواية، فيقول: (( مالم يتم استئصال السرطان في بداية ظهوره، فإن هؤلاء الرومانسيين سوف يفجرون لنا بعد حوالي ثلاثين سنة، وربما قبل ذلك، مثل تلك الثورة التي سوف تبدو معها مقصلة الثورة الفرنسية مجّرد مزحة لطيفة جداً. لن يمنحونا فرصة لكي نهرم بهدوء، تذكّر كلمتي هذه. هل قرأت رواية “ الشياطين “ للسيد دوستويفسكي؟ عبثاً. لقد تنبأ بكل ذلك بشكل بليغ. )) ( 2 ). اما أسماء الشخصيات الرئيسية إراست وليزا وردت في الرواية ليس من باب الصدفة، بل الكاتب كان مخططا لها بعناية فائقة، فيقول على لسان ليزا زوجة البطل إراست: (( بيد أن تخيلاتي كانت تنهي على الدوام وفي كل مرة بطريقة مؤسفة ومأساوية. وكل هذا بسبب “ ليزا التعسة “. ليزا و إراست، هل تذكر؟ كنتُ معجبة على الدوام بهذا الاسم – إراست، إلى اقصى درجة. فأتخيل لنفسي التالي: أنا مستلقية في تابوت شاحبة وفاتنة، مغمورة بورود جورية بيضاء، تارة أتعرق وتارة أموت بداء السل، أما أنتم فتنتحبون جميعكم )) ( 3 )، وفعلا، في نهاية الرواية تحقق تخيلاتها وتموت بثوبها الابيض في ليلة عرسها. وهنا المقصود بليزا ووإراست رواية الكاتب نيكولاي كارامزين التي نشرت في عام 1792 وبطلاها ايضا يحملان نفس الاسم وهذا دليل قاطع على ما قلنا سابقاً الرواية مليئة بالتلميحات الأدبية والتاريخية، وليس هذا فقط، بل حتى الإشارات التاريخية حاضرة في هذه الرواية: رجل يُدعى غبهاردت – هو حاول في نهاية الرواية إجراء تجربة على بطل الرواية إراست وهو نفس اسم احد المتهمين الرئيسيين بإجراء تجارب على الناس خلال الحرب العالمية الثانية، وهو من الشخصيات النازية المعروفة آنذاك.

واخيراً، لابد ان أعترف أن المعرفة العميقة لتاريخ روسيا والاطلاع الهائل لهذا الكاتب جعلته يعكس صورة واقعية لحياة روسيا في القرن التاسع عشر، والسؤال الذي ينبغي أن يطرح هنا، كيف استطاع هذا الكاتب ان يصف الأحداث بدقةٍ متناهية ؟ وهذا الامر يُحسب للكاتب بوريس أكونين، ويذكرني بقراءتي لرواية ( لاوروس ) للكاتب يفغيني فودولازكين حين يصف الفترة التي انتشر فيها الطاعون وكيف كان دقيقا في وصف هذه الاحداث، ولكن مشكلة بطل أكونين في هذه الرواية لا يبحث عن اسباب الجريمة ومعرفة القاتل فحسب، بل يبحث عن أثبات ذاته والمجد وهذا الشعور ظل يرافقه حتى نهاية الرواية، لذلك الكاتب كان صوته طاغياً حول هذا الامر، فيقول: (( لقد سخر القدر بقسوة من فاندورين، أغواه المجد ودفعه بعيداً عن المسار الرئيسي للأحداث إلى طريق فرعي ليس ذا شأن... )) ( 4 ) . أذن، يلوح في الافق بأن أزمة اثبات الذات لدى الشباب موجودة في كل عصر وزمان، اما بطل فودولازكين يعرف علته ولا يحتاج إلى اثبات ذاتهُ ولا يبحث عن المجد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القوانين الجدلية على جدول أعمال البرلمان يوم غد الثلاثاء

هل أخطأ البرلمان بعدم حل نفسه مبكراً؟

العمود الثامن: لجنة المرأة تحارب النساء

62 حالة انتحار في ديالى خلال 2024 بسبب "الربا"

أزمة جفاف الأهوار.. الأمم المتحدة تؤكد دعمها و«الموارد» تتحدث عن برامج لاستدامة تدفق المياه

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

مقالات ذات صلة

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي
عام

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

د. نادية هناويإنَّ الإبداع أمر عام لا يختص بأدب دون أدب ولا يكون لأمة بعينها دون غيرها كما لا يؤثر فيه تفوق مادي أو تقدم حضاري، بل الآداب تأخذ وتعطي ولا يهم إن كان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram