TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الفلاسفة الأنبياء

الفلاسفة الأنبياء

نشر في: 16 نوفمبر, 2012: 08:00 م

بين أرسطو وبقية الفلاسفة والأنبياء فرق جوهري، فأرسطو اهتم بتعليم الناس كيفيات التفكير، ولم يهتم بالتفكير نيابة عنهم، هو بحث في كيفيات تأهيل عقول أفراد المجتمع، ليكونوا قادرين على إنتاج الأفكار أو فحص مدى صدق المطروح منها.. أما الآخرون ففكروا بالنيابة عن الناس منتجين أفكاراً وفلسفات وأيديولوجيات وبرامج جاهزة ومحدَّدة.
كلا النوعين من هؤلاء المفكرين يصنفون على منتجي الأفكار، وكلاهما مهم جداً، لكنني أريد تسليط الضوء على انعكاسات نتاجهم، فصحيح أن الصنف الثاني ساهم، بنسب مختلفة، في حلحلة المشاكل الاجتماعية المستعصية، من خلال الأديان والأيديولوجيات، لكنهم للأسف تسببوا بمشكلة كبرى، أقصد إيجادهم مزيداً من الأتباع، على خلاف الصنف الأول ممن هم على شاكلة أرسطو طاليس الذين اشتغلوا على تحرير الأتباع، من خلال تمكينهم من عقولهم، بتعليمهم كيفية استثمارها بشكل امثل، ما يجعلهم في غنى عن أتباع الآخرين.
الصنف الثاني يجهدون في البحث عن كيفية إقناع الآخرين بأفكارهم، ما يؤدي لانقسام الناس إلى مؤمنين "أتباع"، وغير مؤمنين. وهذه هي بذرة أكثر الحروب شراً وعلى امتداد التاريخ. صحيح أنهم خرجوا من رحم الحاجة إليهم، وصحيح أنهم علمونا كيفيات ضبط تصرفاتنا، ومعالجة مشاكلنا. لكن، أما كان بإمكانهم، وكما فعل أرسطو، أن يعطونا قواعد منهجية نستخدمها في وضع القوانين والضوابط السلوكية، بدل وضعها بأنفسهم؟ إذ الفرق واسع بين هذين النشاطين، في النشاط الأول نخرج بمناهج وقواعد، أما في النشاط الثاني فنخرج بعقائد. ولذلك فالكثير من ضوابط السلوك الموجودة في الأديان وبعض الأيديولوجيات تحولت إلى عقائد يَحْرُم مناقشتها. كان يمكن للفلاسفة والأنبياء، أن يحدّدوا لنا قواعد تصلح بشكل دائم للتمييز بين الخير والشر، على غرار القاعدة الجميلة: (تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين). فهذه قاعدة، وهي تصلح لأن تكون منهجاً نستخدمه في تحديد الكثير من الضوابط والقوانين التي تُنَظّم إيقاع حياتنا.
النكتة أن الفلاسفة والمفكرين من الصنف الأول قليلون جداً، ولأنهم بمثابة اللقاح المضاد للعبودية، أثَّرت قلة عددهم في انتشار العبودية بشكل هائل وكبير. على كل حال، ما أريد الوصول إليه هو أن الفلاسفة الأنبياء، ساهموا بشكل كبير في تعطيل تطور المجتمعات ونضوجها، من جهتين، جهة أنهم فكروا بالنيابة عن الآخرين، فتسببوا بكسل هائل في التفكير على امتداد التاريخ، وتتعقد هذه المشكلة أكبر عند من أنتج شرائع وقوانين وجعلها مقدسة، فهؤلاء حرَّموا على الناس التفكير بالمواضيع التي تتعلق بحل مشاكلهم الاجتماعية. والجهة الثانية، هي أن الحروب الطويلة والمكلفة، التي خضناها في حمى الدفاع عن إيماننا بأفكارهم ودفاعنا عن وجهات نظرهم، أثَّرت في حرماننا من طاقات وأوقات كان يمكن استثمارها في تعليم أنفسنا كيفيات التفكير، لا كيفيات التكفير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. جمعة جههد سيف

    ايها الصديق انت دائما تبحث عن الافكار التي بنت ديمقراطبات قبل 2000سنة او اكثر ونحن نحاول بنائهاتحت مظلة التوافقات المذهبية المتضادة(تضرب على وتر نعزف به مذ كنا صغارا ...فهل ننتصر في يوم ما وماهو حجم الانتصار؟

  2. صباح الامارة

    و لا زلنا ندفع ثمن طريق تفكير الانبياء

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram